التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لَعَلِّيٓ أَعۡمَلُ صَٰلِحٗا فِيمَا تَرَكۡتُۚ كَلَّآۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَاۖ وَمِن وَرَآئِهِم بَرۡزَخٌ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ} (100)

و " لعل " فى قوله تعالى : { لعلي أَعْمَلُ صَالِحاً } للتعليل . أى : ارجعون لكى أعمل عملا صالحا .

وفى معنى هذه الآية وردت آيات كثيرة ، منها قوله - تعالى - : { . . وَتَرَى الظالمين لَمَّا رَأَوُاْ العذاب يَقُولُونَ هَلْ إلى مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ } وقوله - سبحانه - { وَلَوْ ترى إِذِ المجرمون نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فارجعنا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ } ثم بين - سبحانه - الجواب عليهم فقال : { كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } .

و " كلا " حرف زجر وردع . والبرزخ : الحاجز والحاجب بين الشيئين لكى لا يصل أحدهما إلى الآخر . والمراد بالكلمة : ما قاله هذا الكافر . أى : رب ارجعون .

أى : يقال لهذا الكافر النادم : كلا ، لا رجوع إلى الدنيا { إِنَّهَا } أى قوله رب ارجعون ، { كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا } ولن تجديه شيئا ، لأنه قالها بعد فوات الأوان لنفعها ، { وَمِن وَرَآئِهِمْ } أى : ومن أمام هذا الكافر وأمثاله ، حاجز يحول بينهم وبين الرجوع إلى الدنيا ، وهذا الحاجز مستمر إلى يوم البعث والنشور .

فالمراد بالبرزخ : تلك المدة التى يقضيها هؤلاء الكافرون منذ موتهم إلى يوم يبعثون .

وفى هذه الجملة الكريمة . زجر شديد لهم عن طلب العودة إلى الدنيا . وتيئيس وإقناط لهم من التفكير فى المطالبة بالرجعة ، وتهديد لهم بعذاب القبر إلى يوم القيام .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَعَلِّيٓ أَعۡمَلُ صَٰلِحٗا فِيمَا تَرَكۡتُۚ كَلَّآۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَاۖ وَمِن وَرَآئِهِم بَرۡزَخٌ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ} (100)

99

لتدارك ما فات ، والإصلاح فيما ترك وراءه من أهل ومال . . وكأنما المشهد معروض اللحظة للأنظار ، مشهود كالعيان ! فإذا الرد على هذا الرجاء المتأخر لا يوجه إلى صاحب الرجاء ، إنما يعلن على رؤوس الأشهاد :

( كلا . إنها كلمة هو قائلها . . . )

كلمة لا معنى لها ، ولا مدلول وراءها ، ولا تنبغي العناية بها أو بقائلها . إنها كلمة الموقف الرهيب ، لا كلمة الإخلاص المنيب . كلمة تقال في لحظة الضيق ، ليس لها في القلب من رصيد !

وبها ينتهي مشهد الاحتضار . وإذا الحواجز قائمة بين قائل هذه الكلمة والدنيا جميعا . فلقد قضي الأمر ، وانقطعت الصلات ، وأغلقت الأبواب ، وأسدلت الأستار :

( ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ) . .

فلا هم من أهل الدنيا ، ولا هم من أهل الآخرة . إنما هم في ذلك البرزخ بين بين ، إلى يوم يبعثون .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لَعَلِّيٓ أَعۡمَلُ صَٰلِحٗا فِيمَا تَرَكۡتُۚ كَلَّآۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَاۖ وَمِن وَرَآئِهِم بَرۡزَخٌ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ} (100)

القول في تأويل قوله تعالى : { حَتّىَ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبّ ارْجِعُونِ * لَعَلّيَ أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاّ إِنّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىَ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } .

يقول تعالى ذكره : حتى إذا جاء أحدَ هؤلاء المشركين الموتُ ، وعاين نزول أمر الله به ، قال لعظيم ما يعاين مما يَقْدَم عليه من عذاب الله تندّما على ما فات وتلهّفا على ما فرّط فيه قبل ذلك من طاعة الله ومسئلته للإقالة : رَبّ ارْجِعُونِ إلى الدنيا فردّوني إليها ، لَعَلّي أعْمَلُ صَالِحا يقول : كي أعمل صالحا فيما تركت قبل اليوم من العمل فضيعته وفرّطت فيه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي معشر ، قال : كان محمد بن كعب القُرَظيّ يقرأ علينا : حتى إذَا جاءَ أحَدَهُمْ المَوْتُ قالَ رَبّ ارْجِعُون قال محمد : إلى أيّ شيء يريد ؟ إلى أيّ شيء يرغب ؟ أجمع المال ، أو غَرْس الغِراس ، أو بَنْي بُنيان ، أو شقّ أنهار ؟ ثم يقول : لَعَلّي أعْمَلُ صَالِحا فِيما تَرَكْتُ يقول الجبار : كلاّ .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : رَبّ ارْجِعُونِ قال : هذه في الحياة الدنيا ، ألا تراه يقول : حتى إذَا جاءَ أحَدَهُمُ المَوْتُ قال : حين تنقطع الدنيا ويعاين الاَخرة ، قبل أن يذوق الموت .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال النبيّ صلى الله عليه وسلم لعائشة : «إذَا عايَنَ المُؤْمِنُ المَلائِكَةَ قالُوا : نُرْجِعُكَ إلى الدّنْيا ؟ فَيَقَولُ : إلى دار الهُمُومِ وَالأحْزَانِ ؟ فَيَقُولُ : بَل قَدّمانِي إلى اللّهِ . وأمَا الكافِرُ فَيُقالُ : نُرْجِعُكَ ؟ فيَقُولُ : لَعَلّي أعْمَلُ صَالِحا فِما تَرَكْتُ » . . . الاَية .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : حتّى إذَا جاءَ أحَدَهُمُ المَوْتُ قالَ ربّ ارْجِعُونِ : يعني أهل الشرك .

وقيل : «رب ارجعون » ، فابتدأ الكلام بخطاب الله تعالى ، ثم قيل : «ارجعون » ، فصار إلى خطاب الجماعة ، والله تعالى ذكره واحد . وإنما فعل ذلك كذلك ، لأن مسألة القوم الردّ إلى الدنيا إنما كانت منهم للملائكة الذين يَقبِضون روحهم ، كما ذكر ابن جُرَيج أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قاله . وإنما ابتُدِىء الكلام بخطاب الله جلّ ثناؤه ، لأنهم استغاثوا به ، ثم رجعوا إلى مسئلة الملائكة الرجوع والردّ إلى الدنيا .

وكان بعض نحويّي الكوفة يقول : قيل ذلك كذلك ، لأنه مما جرى على وصف الله نفسه من قوله : وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ ولَمْ تَكُ شَيْئا في غير مكان من القرآن ، فجرى هذا على ذاك .

وقوله : كَلاّ يقول تعالى ذكره : ليس الأمر على ما قال هذا المشرك لن يُرْجع إلى الدنيا ولن يُعاد إليها . إنّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها يقول : هذه الكلمة ، وهو قوله : رَبّ ارْجِعُونِ كلمة هو قائلها يقول : هذا المشرك هو قائلها . كما :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : كَلاّ إنّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها لا بد له أن يقولها .

وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ يقول : ومن أمامهم حاجز يحجُز بينهم وبين الرجوع ، يعني إلى يوم يبعثون من قبورهم ، وذلك يوم القيامة والبرزخ والحاجز والمُهْلة متقاربات في المعنى .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ يقول : أجل إلى حين .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد ، في قوله : وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ قال : ما بعد الموت .

حدثني أبو حميد الحِمْصيّ أحمد بن المغيرة ، قال : حدثنا أبو حَيْوة شريح بن يزيد ، قال : حدثنا أرطاة ، عن أبي يوسف ، قال : خرجت مع أبي أمامة في جنازة ، فلما وُضِعت في لحدها ، قال أبو أمامة : هذا برزخ إلى يوم يُبعثون .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا مطر ، عن مجاهد ، قوله : وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قال : ما بين الموت إلى البعث .

حدثني محمدبن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : بَرْزَخٌ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قال : حِجاب بين الميت والرجوع إلى الدنيا .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد مثله .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قَتادة : وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قال : برزخ بقية الدنيا .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قَتادة ، مثله .

حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قال : البرزخ ما بين الموت إلى البعث .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عُبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول : البرزخ : ما بين الدنيا والاَخرة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لَعَلِّيٓ أَعۡمَلُ صَٰلِحٗا فِيمَا تَرَكۡتُۚ كَلَّآۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَاۖ وَمِن وَرَآئِهِم بَرۡزَخٌ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ} (100)

{ لعلي أعمل صالحا فيما تركت } في الإيمان الذي تركته أي لعلي آتي الإيمان وأعمل فيه ، وقيل في المال أو في الدنيا . وعنه عليه الصلاة والسلام " قال إذا عاين المؤمن الملائكة قالوا أنرجعك إلى الدنيا ، فيقول إلى دار الهموم والأحزان بل قدوما إلى الله تعالى ، وأما الكافر فيقول رب ارجعون " . { كلا } ردع من طلب الرجعة واستبعاد لها . { إنها كلمة } معنى قوله { رب أرجعون } الخ ، والكلمة الطائفة من الكلام المنتظم بعضها مع بعض . { هو قائلها } لا محالة لتسلط الحسرة عليه . { ومن ورائهم } أمامهم والضمير للجماعة { برزخ } حائل بينهم وبين الرجعة . { إلى يوم يبعثون } يوم القيامة ، وهو إقناط كلي عن الرجوع إلى الدنيا لما علم أنه لا رجعة يوم البعث إلى الدنيا وإنما الرجوع فيه إلى حياة تكون في الآخرة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لَعَلِّيٓ أَعۡمَلُ صَٰلِحٗا فِيمَا تَرَكۡتُۚ كَلَّآۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَاۖ وَمِن وَرَآئِهِم بَرۡزَخٌ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ} (100)

وقرأ الحسن والجمهور «لعلي » بسكون الياء ، وقرأ طلحة بن مصرف «لعليَ » بفتح الياء ، و { كلا } رد وزجر وهي من كلام الله تعالى ، وقوله { إنها كلمة هو قائلها } يحتمل ثلاثة معان : أحدهما الإخبار المؤكد بأن هذا الشيء يقع ويقول هذه الكلمة ، والآخر أن يكون المعنى إنها كلمة لا تغني أكثر من أن يقولها ولا نفع له فيها ولا غوث ، والثالث أن تكون إشارة إلى أنه لو رد لعاد فتكون آية ذم لهم ، والضمير في { ورائهم } للكفار أي يأتي بعد موتهم حاجز من المدة و «البرزخ » ، في كلام العرب الحاجز بين المسافتين ، ثم يستعار لما عدا ذلك فهو هنا للمدة التي بين موت الإنسان وبين بعثه ، هذا إجماع من المفسرين ، و[ يوم ] مضاف إلى [ يبعثون ]{[8546]} .


[8546]:في الأصول وردت هذه الجملة "و [يوم] مضاف إلى [يبعثون]" بعد قول المؤلف: "وقرأ ابن عياض [الصور] بفتح الواو جمع صورة"، وقدمناها هنا لتكون في الموضع المناسب من الآية التي ذكرت فيها.