ثم بين - سبحانه - حالهم عند نزول العقاب بهم فقال : { وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرجز قَالُواْ ياموسى ادع لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرجز لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بني إِسْرَآئِيلَ } .
أى وحين وقع على فرعون ومثله العذاب المذكور في الآية السابقة ، والمتمثل في الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ، حين وقع عليهم ذلك أخذوا يقولون لموسى بتذلل واستعطاف عقب كل عقوبة من تلك العقوبات : يا موسى ادع لنا ربك واسأله بحق ما عهد عندك من أمر إرسالك إلينا لانقاذنا من الهلاك أن يكشف عنا هذا العذاب ، ونحن نقسم لك بأنك إن كشفته عنا لنؤمنن لك ولنرسلن معك بنى إسرائيل .
قال صاحب الكشاف : { بِمَا عَهِدَ عِندَكَ } ما مصدرية ، والمعنى بعهده عندك وهو النبوة ، والباء إما أن تتعلق بقوله : { ادع لَنَا رَبَّكَ } على وجهين :
أحدهما : أسفنا إلى ما نطلب إليك من الدعاء لنا بحق ما عندك من عهد الله وكرامته بالنبوة .
أو ادع الله لنا متوسلا إليه بعهدنه عندك .
وإما أن يكون قسما مجابا بلنؤمنن ، أى أقسمنا بعهد الله عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك " .
ولقد جمع السياق هنا تلك الآيات المفصلة ، التي جاءتهم مفرقة . واحدة واحدة . وهم في كل مرة يطلبون إلى موسى تحت ضغط البلية أن يدعو لهم ربه لينقذهم منها ؛ ويعدونه أن يرسلوا معه بني إسرائيل إذا أنجاهم منها ، وإذا رفع عنهم هذا( الرجز ) ، أي العذاب ، الذي لا قبل لهم بدفعه :
( ولما وقع عليهم الرجز قالوا : يا موسى ادع لنا ربك - بما عهد عندك - لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ، ولنرسلن معك بني إسرائيل ) . .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَمّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرّجْزُ قَالُواْ يَمُوسَىَ ادْعُ لَنَا رَبّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنّا الرّجْزَ لَنُؤْمِنَنّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنّ مَعَكَ بَنِيَ إِسْرَآئِيلَ } . .
يقول تعالى ذكره : ولما وقع عليهم الرجز ، ولما نزل بهم عذاب الله ، وحلّ بهم سخطه .
ثم اختلف أهل التأويل في ذلك الرجز الذي أخبر الله أنه وقع بهؤلاء القوم ، فقال بعضهم : كان ذلك طاعونا . ذكر من قال ذلك .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب القمي ، عن جعفر بن المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، قال : وأمر موسى قومه من بني إسرائيل ، وذلك بعد ما جاء قومَ فرعون بالاَيات الخمس الطوفان ، وما ذكر الله في هذه الاَية ، فلم يؤمنوا ولم يرسلوا معه بني إسرائيل ، فقال : ليذبح كلّ رجل منكم كبشا ، ثم ليخضب كفه في دمه ، ثم ليضرب به على بابه ، فقالت القبط لبني إسرائيل : لم تجعلون هذا الدم على أبوابكم ؟ فقالوا : إن الله يرسل عليكم عذابا فنسلم وتهلكون ، فقالت القبط : فما يعرفكم الله إلاّ بهذه العلامات ؟ فقالوا : هكذا أمرنا به نبينا . فأصبحوا وقد طعن من قوم فرعون سبعون ألفا ، فأمسوا وهم لا يتدافنون ، فقال فرعون عند ذلك : ادْعُ لَنا رَبّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنّا الرّجزَ وهو الطاعون ، لَنُؤْمِنَنّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنّ مَعَكَ بَنِي إسْرَائِيلَ فدعا ربه فكشفه عنهم ، فكان أوفاهم كلهم فرعون ، فقال لموسى : اذهب ببني إسرائيل حيث شئت
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا حبّويه الرازي ، وأبو داود الحفري ، عن يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير قال حبويه : عن ابن عباس : لَئِنْ كَشَفْتَ عَنّا الرّجْزَ قال : الطاعون .
وقال آخرون : هو العذاب . ذكر من قال ذلك .
حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : الرجز العذاب .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فَلَمّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرّجْزَ أي العذاب .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، قال : حدثنا معمر ، عن قتادة : وَلمّا وَقَع عَلَيْهِمُ الرّجْزُ يقول : العذاب .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَلمّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرّجْزُ قال : الرجز : العذاب الذي سلّطه الله عليهم من الجراد والقُمّل وغير ذلك ، وكلّ ذلك يعاهدونه ثم ينكثون .
وقد بيّنا معنى الرّجز فيما مضى من كتابنا هذا بشواهده المغنية عن إعادتها .
وأولى القولين بالصواب في هذا الموضع أن يقال : إن الله تعالى ذكره أخبر عن فرعون وقومه أنهم لما وقع عليهم الرجز ، وهو العذاب والسخط من الله عليهم ، فزعوا إلى موسى بمسألته ربه كشف ذلك عنهم وجائز أن يكون ذلك الرجز كان الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ، لأن كل ذلك كان عذابا عليهم ، وجائز أن يكون ذلك الرجز كان طاعونا . ولم يخبرنا الله أيّ ذلك كان ، ولا صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأيّ ذلك كان خبر فنسلم له .
فالصواب أن نقول فيه كما قال جلّ ثناؤه : وَلمّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرّجْزُ ولا نتعدّاه إلاّ بالبيان الذي لا تمانع فيه بين أهل التأويل ، وهو لما حلّ بهم عذاب الله وسخطه ، قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبّكَ بمَا عَهِدَ عِنْدَكَ يقول : بما أوصاك وأمرك به ، وقد بينا معنى العهد فيما مضى لَئِنْ كَشَفْتَ عَنّا الرّجْزَ يقول : لئن رفعت عنا العذاب الذي نحن فيه ، لَنُؤْمِنَنّ لَكَ يقول : لنصدقنّ بما جئت به ودعوت إليه ولنقرّنّ به لك ، ولَنُرْسِلَنّ مَعَكَ بَنِي إسْرَائِيلَ يقول : ولنخلينّ معك بني إسرائيل فلا نمنعهم أن يذهبوا حيث شاءوا .
{ ولما وقع عليهم الرجز } يعني العذاب المفصل ، أو الطاعون الذي أرسله الله عليهم بعد ذلك . { قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك } بعهده عندك وهو النبوة ، أو بالذي عهده إليك أن تدعه به فيجيبك كما أجابك في آياتك ، وهو صلة لادع أو حال من الضمير فيه بمعنى ادع الله متوسلا إليه بما عهد عنك ، أو متعلق بفعل محذوف دل عليه التماسهم مثل اسعفنا إلى ما نطلب منك بحق ما عهد عندك أو قسم مجاب بقوله : { لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلنّ معك بني إسرائيل } أي أقسمنا بعهد الله عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن ولنرسلن .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.