مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيۡهِمُ ٱلرِّجۡزُ قَالُواْ يَٰمُوسَى ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَۖ لَئِن كَشَفۡتَ عَنَّا ٱلرِّجۡزَ لَنُؤۡمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرۡسِلَنَّ مَعَكَ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ} (134)

قوله تعالى : { ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون }

اعلم أنا ذكرنا معنى الرجز عند قوله : { فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء } في سورة البقرة وهو اسم للعذاب ، ثم إنهم اختلفوا في المراد بهذا الرجز فقال بعضهم : إنه عبارة عن الأنواع الخمسة المذكورة من العذاب الذي كان نازلا بهم . وقال سعيد بن جبير { الرجز } معناه : الطاعون وهو العذاب الذي أصابهم فمات به من القبط سبعون ألف إنسان في يوم واحد ، فتركوا غير مدفونين ، واعلم أن القول الأول أقوى لأن لفظ { الرجز } لفظ مفرد محلي بالألف واللام فينصرف إلى المعهود السابق ، وههنا المعهود السابق هو الأنواع الخمسة التي تقدم ذكرها ، وأما غيرها فمشكوك فيه ، فحمل اللفظ على المعلوم أولى من حمله على المشكوك فيه .

إذا عرفت هذا فنقول : إنه تعالى بين ما كانوا عليه من المناقضة القبيحة ، لأنهم تارة يكذبون موسى عليه السلام ، وأخرى عند الشدائد يفزعون إليه نزع الأمة إلى نبيها ويسألونه أن يسأل ربه رفع ذلك العذاب عنهم ، وذلك يقتضي أنهم سلموا إليه كونه نبيا مجاب الدعوة ، ثم بعد زوال تلك الشدائد يعودون إلى تكذيبه والطعن فيه ، وأنه إنما يصل إلى مطالبة بسحره ، فمن هذا الوجه يظهر أنهم يناقضون أنفسهم في هذه الأقاويل .

وأما قوله تعالى حكاية عنهم : { ادع لنا ربك بما عهد عندك } فقال صاحب «الكشاف » : ما في قوله : { بما عهد عندك } مصدرية والمعنى : بعهده عندك وهو النبوة ، وفي هذه الباء وجهان :

الوجه الأول : أنها متعلقة بقوله : { ادع لنا ربك } والتقدير { ادع لنا } متوسلا إليه بعهده عندك .

والوجه الثاني : في هذه الباء أن تكون قسما وجوابها قوله : { لنؤمنن لك } أي أقسمنا بعهد الله عندك { لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك } وقوله : { ولنرسلن معك بني إسرائيل } كانوا قد أخذوا بني إسرائيل بالكد الشديد فوعدوا موسى عليه السلام على دعائه بكشف العذاب عنهم الإيمان به والتخلية عن بني إسرائيل وإرسالهم معه يذهب بهم أين شاء .