التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَدَاوُۥدَ وَسُلَيۡمَٰنَ إِذۡ يَحۡكُمَانِ فِي ٱلۡحَرۡثِ إِذۡ نَفَشَتۡ فِيهِ غَنَمُ ٱلۡقَوۡمِ وَكُنَّا لِحُكۡمِهِمۡ شَٰهِدِينَ} (78)

ثم ساق - سبحانه - بعد ذلك جانبا من قصة نبيين كريمين هما داود وسليمان فقال - تعالى - : { وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ . . . } .

قوله - سبحانه - : { وَدَاوُودَ } منصوب - أيضا - بفعل مقدر ، أو معطوف على قوله - سبحانه - قبل ذلك : { وَنُوحاً إِذْ نَادَى } .

وسليمان هو ابن داود ، وكلاهما من أنبياء الله - سبحانه - ، وينتهى نسبهما إلى يعقوب - عليه السلام - وكانت وفاتهما قبل ميلاد المسيح - عليه السلام - بألف سنة تقريبا ، وقد جمع الله - تعالى - لهما بين الملك والنبوة .

والحرث : الزرع . قيل : كان كرما - أى عنباً - تدلت عناقيده .

وقوله : { نَفَشَتْ } من النفش وهو الرعى بالليل خاصة . يقال : نفشت الغنم والإبل ، إذا رعت ليلا بدون راع .

وقد ذكر المفسرون عند تفسيرهم لهذه الآيات روايات ملخصها : أن رجلين دخلا على داود - عليه السلام - أحدهما صاحب زرع ، والآخر صاحب غنم ، فقال صاحب الزرع لداود : يا نبى الله ، إن غنم هذا قد نفشت فى حرثى فلم تبق منه شيئا ، فحكم داود - عليه السلام - لصاحب الزرع أن يأخذ غنم خصمه فى مقابل إتلافها لزرعه .

وعند خروجهما التقيا بسليمان - عليه السلام - فأخبراه بحكم أبيه . فدخل سليمان على أبيه فقال له : يا نبى الله ، إن القضاء غير ما قضيت ، فقال له : كيف ؟ قال : ادفع الغنم إلى صاحب الزرع لينتفع بها ، وادفع الزرع إلى صاحب الغنم ليقوم عليها حتى يعود كما كان . ثم يعيد كل منهما إلى صاحبه ما تحت يده ، فيأخذ صاحب الزرع زرعه ، وصاحب الغنم غنمه . . . فقال داود - عليه السلام - القضاء ما قضيت يا سليمان .

والمعنى : اذكر - أيها الرسول الكريم - قصة داود وسليمان ، وقت أن كانا يحكمان فى الزرع الذى { نفشت فيه غنم القوم } أى : تفرقت فيه وانتشرت ليلا دون أن يكون معها راع فرعته وأفسدته .

قال القرطبى : " ولم يرد - سبحانه - بقوله { إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الحرث } : الاجتماع فى الحكم وإن جمعهما فى القول ، فإن حكمين على حكم واحد لا يجوز وإنما حكم كل واحد منهما على انفراده ، وكان سليمان الفاهم لها بتفيهم الله - تعالى - له .

وقوله - تعالى - : { وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ } جملة معترضة جىء بها لبيان شمول عمل الله - تعالى - وإحاطته بكل شىء .

أى : وكنا لما حكم به كل واحد منهما عالمين وحاضرين ، بحيث لا يغيب عنا شىء مما قالاه .

وضمير الجمع فى قوله { لِحُكْمِهِمْ } : لداود وسليمان ، واستدل بذلك من قال إن أقل الجمع اثنان ، وقيل : ضمير الجمع يعود عليهما وعلى صاحب الزرع وصاحب الحرث أى : وكنا للحكم الواقع بين الجميع شاهدين .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَدَاوُۥدَ وَسُلَيۡمَٰنَ إِذۡ يَحۡكُمَانِ فِي ٱلۡحَرۡثِ إِذۡ نَفَشَتۡ فِيهِ غَنَمُ ٱلۡقَوۡمِ وَكُنَّا لِحُكۡمِهِمۡ شَٰهِدِينَ} (78)

48

ثم يفصل بعض الشيء في حلقة من قصة داود وسليمان :

( وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم ؛ وكنا لحكمهم شاهدين . ففهمناها سليمان . وكلا آتينا حكما وعلما . وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير . وكنا فاعلين . وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم ، فهل أنتم شاكرون ? ) .

ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها ، وكنا بكل شيء عالمين . ومن الشياطين من يغوصون له ، ويعملون عملا دون كذلك ، وكنا لهم حافظين . .

وقصة الحرث التي حكم فيها داود وسليمان يقول الرواة في تفصيلها : إن رجلين دخلا على داود ، أحدهما صاحب حرث أي حقل وقيل حديقة كرم - والآخر صاحب غنم . فقال صاحب الحرث : إن غنم هذا قد نفشت في حرثي - أي انطلقت فيه ليلا - فلم تبق منه شيئا . فحكم داود لصاحب الحرث أن يأخذ غنم خصمه في مقابل حرثه . . ومر صاحب الغنم بسليمان ؛ فأخبره بقضاء داود . فدخل سليمان على أبيه فقال : يا نبي الله إن القضاء غير ما قضيت . فقال : كيف ? قال : ادفع الغنم إلى صاحب الحرث لينتفع بها ، وادفع الحرث إلى صاحب الغنم ليقوم عليه حتى يعود كما كان . ثم يعيد كل منهما إلى صاحبه ما تحت يده . فيأخذ صاحب الحرث حرثه ، وصاحب الغنم غنمه . . فقال داود : القضاء ما قضيت . وأمضي حكم سليمان .

وكان حكم داود وحكم سليمان في القضية اجتهادا منهما .

وكان الله حاضرا حكمهما ،

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَدَاوُۥدَ وَسُلَيۡمَٰنَ إِذۡ يَحۡكُمَانِ فِي ٱلۡحَرۡثِ إِذۡ نَفَشَتۡ فِيهِ غَنَمُ ٱلۡقَوۡمِ وَكُنَّا لِحُكۡمِهِمۡ شَٰهِدِينَ} (78)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبّحْنَ وَالطّيْرَ وَكُنّا فَاعِلِينَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : واذكر داود وسليمان يا محمد إذ يحكمان في الحرث .

واختلف أهل التأويل في ذلك الحرث ما كان ؟ فقال بعضهم : كان نبتا . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن إسحاق ، عن مرّة في قوله : إذْ يَحْكُمانِ فِي الحَرْثِ قال : كان الحرث نبتا .

حدثنا بِشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد عن قَتادة ، قال : ذكر لنا أن غنم القوم وقعت في زرع ليلاً .

وقال آخرون : بل كان ذلك الحرث كَرْما . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا المحاربيّ ، عن أشعث ، عن أبي إسحاق ، عن مرّة ، عن ابن مسعود ، في قوله : وَدَاوُدَ وَسُلَيْمانَ إذْ يَحْكُمانِ فِي الحَرْثِ قال : كَرْم قد أنبت عناقيده .

حدثنا تميم بن المنتصر ، قال : أخبرنا إسحاق ، عن شريك ، عن أبي إسحاق ، عن مسروق ، عن شريح ، قال : كان الحرث كَرْما .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ما قال الله تبارك وتعالى : إذْ يَحْكُمانِ فِي الحَرْثِ والحرث : إنما هو حرث الأرض . وجائز أن يكون ذلك كان زرعا ، وجائز أن يكون غَرْسا ، وغير ضائر الجهل بأيّ ذلك كان .

وقوله : إذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنمُ القَوْمِ يقول : حين دخلت في هذا الحرث غنم القوم الاَخرين من غير أهل الحرث ليلاً ، فرعته أو أفسدته . وكُنّا لحِكْمِهِمْ شاهِدِينَ يقول : وكنا لحكم داود وسليمان والقوم الذين حَكَما بينهم فيما أفسدت غنم أهل الغنم من حرث أهل الحرث ، شاهدين لا يخفى علينا منه شيء ، ولا يغيب عنا علمه .