التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قُلۡ أَغَيۡرَ ٱللَّهِ أَبۡغِي رَبّٗا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيۡءٖۚ وَلَا تَكۡسِبُ كُلُّ نَفۡسٍ إِلَّا عَلَيۡهَاۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرۡجِعُكُمۡ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ} (164)

ثم قال لهم للمرة الثالثة على سبيل التعجب من حالهم ، والاستنكار لواقعهم : { قل أَغَيْرَ الله أَبْغِي رَبّاً } أى : أغير الله - تعالى - تريدوننى أن أطلب رباً فأشركه فى عبادته ، والحال والشأن أنه - سبحانه - هو رب كل شىء ومليكه ، وهو الخالق لكل شىء .

فجملة { وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ } حال فى موضع العلة لإنكار ما هم عليه من ضلال .

ثم بين - سبحانه - أن كل إنسان مجازى بعمله فقال : { وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا } أى : لا تجترح نفس إثما إلا عليها من حيث عقابه . فلا يؤاخذ سواها به ، وكل مرتكب لإثم فهو وحده المعاقب به .

{ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى } أى : ولا تحمل نفس مذنبة ولا غير مذنبة ذنب نفس أخرى ، وإنما تتحمل الآثمة وحدها عقوبة إثمها الذى ارتكبته بالمباشرة أو بالتسبب .

قال القرطبى : واصل الوزر الثقل ، ومنه قوله تعالى ( وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ ) وهو هنا الذنب كما فى قوله تعالى

{ وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ على ظُهُورِهِمْ } ثم بين - سبحانه - نهايتهم فقال : { ثُمَّ إلى رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ } أى : رجوعكم بعد الموت يوم القيامة { فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } بتمييز الحق من الباطل ، ومجازاة كل إنسان بما يستحقه من خير أو شر على حسب علمه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُلۡ أَغَيۡرَ ٱللَّهِ أَبۡغِي رَبّٗا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيۡءٖۚ وَلَا تَكۡسِبُ كُلُّ نَفۡسٍ إِلَّا عَلَيۡهَاۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرۡجِعُكُمۡ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ} (164)

154

( قل : أغير الله أبغي ربا ، وهو رب كل شيء ، ولا تكسب كل نفس إلا عليها ، ولا تزر وازرة وزر أخرى ، ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ؟ ) . .

كلمة تتقصى السماوات والأرض وما فيهن ومن فيهن ؛ وتشتمل كل مخلوق مما يعلم الإنسان ومما يجهل ؛ وتجمع كل حادث وكل كائن في السر والعلانية . . ثم تظللها كلها بربوبية الله الشاملة لكل كائن في هذا الكون الهائل ؛ وتعبدها كلها لحاكمية الله المطلقة عقيدة وعبادة وشريعة

ثم تعجب في استنكار :

( أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء ) ؟

أغير الله أبغي ربا يحكمني ويصرف أمري ويهيمن علي ويقومني ويوجهني ؟ وأنا مأخوذ بنيتي وعملي ، محاسب على ما أكسبه من طاعة ومعصية ؟

أغير الله أبغي ربا . وهذا الكون كله في قبضته ؛ وأنا وأنتم في ربوبيته ؟

أغير الله أبغي ربا وكل فرد مجزي بذنبه لا يحمله عنه غيره ؟ ( ولا تكسب كل نفس إلا عليها ، ولا تزر وازرة وزر أخرى ؟ ) . .

أغير الله أبغي ربا وإليه مرجعكم جميعاً فيحاسبكم على ما كنتم تختلفون فيه ؟

أغير الله أبغي ربا ، وهو الذي استخلف الناس في الأرض ، ورفع بعضهم فوق بعض درجات في العقل والجسم والرزق ؛ ليبتليهم أيشكرون أم يكفرون ؟

أغير الله أبغي ربا ، وهو سريع العقاب ، غفور رحيم لمن تاب ؟

أغير الله أبغي ربا ، فأجعل شرعه شرعاً ، وأمره أمراً ، وحكمه حكماً . وهذه الدلائل والموحيات كلها حاضرة ؛ وكلها شاهدة ؛ وكلها هادية إلى أن الله وحده هو الرب الواحد المتفرد ؟ ؟ ؟

إنها تسبيحة التوحيد الرخية الندية ؛ يتجلى من خلالها ذلك المشهد الباهر الرائع . مشهد الحقيقة الإيمانية ، كما هي في قلب رسول الله [ ص ] وهو مشهد لا يعبر عن روعته وبهائه إلا التعبير القرآني الفريد . .

إنه الإيقاع الأخير في السياق الذي استهدف قضية الحاكمية والشريعة ؛ يجيء متناسقاً مع الإيقاعات الأولى في السورة ، تلك التي استهدفت قضية العقيدة والإيمان ؛ من ذلك قوله تعالى : ( قل : أغير الله أتخذ ولياً فاطر السماوات والأرض ، وهو يطعم ولا يطعم ؟ قل : إني أمرت أن أكون أول من أسلم ، ولا تكونن من المشركين . قل : إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم . من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه ، وذلك الفوز المبين ) . . . وغيرها في السورة كثير .