التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالَ فِرۡعَوۡنُ ءَامَنتُم بِهِۦ قَبۡلَ أَنۡ ءَاذَنَ لَكُمۡۖ إِنَّ هَٰذَا لَمَكۡرٞ مَّكَرۡتُمُوهُ فِي ٱلۡمَدِينَةِ لِتُخۡرِجُواْ مِنۡهَآ أَهۡلَهَاۖ فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ} (123)

ولكن فرعون وملأه لم يرقهم ما شاهدوا من إيمان السحرة ، ولم يدركوا لانطماس بصيرتهم فعل الإيمان في القلوب ، فأخذ يتوعدهم بالموت الأليم ويحكى القرآن ذلك فيقول : { قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ } أى : قال فرعون منكراً على السحرة إيمانهم ، آمنتم برب موسى وهارون قبل أن آمركم أنا بذلك ؟ فهو لغروره وجهله ظن أن الإيمان بالحق بعد أن تبين يحتاج إلى استئذان .

ثم أضاف إلى ذلك اتهامهم بأن إيمانهم لم يكن عن إخلاص ليصرف الناس عنهم فقال : { إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي المدينة لِتُخْرِجُواْ مِنْهَآ أَهْلَهَا } أى : إن ما صنعتموه من الإيمان برب موسى وهارون ليس عن اقتناع منكم بذلك ، بل هو حيلة احتلتموها أنتم وموسى قبل أن يلقى كل منكم بسحره ، لكى تخرجوا من مصر أهلها الشرعيين ، وتخلص لكم ولبنى إسرائيل .

وغرضه من هذا القول إفهام قبط مصر أن إيمان السحرة كان عن تواطؤ مع موسى ، وأنهم يهدفون من وراء ذلك إلى إخراجهم من أوطانهم ، فعليهم . - أية القبط - أن يستمسكوا بدينهم وأن يعلنوا عداوتهم لموسى وللسحرة ولبنى إسرائيل .

ولا شك أن هذا لون من الكذب الخبيث أراد من ورائه فرعون صد الناس عن الإيمان بموسى - عليه السلام - .

ثم أتبع هذا الاتهام الباطل بالوعيد الشديد فقال : { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } أى : فسوف تعلمون عاقبة ما فعلتم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ فِرۡعَوۡنُ ءَامَنتُم بِهِۦ قَبۡلَ أَنۡ ءَاذَنَ لَكُمۡۖ إِنَّ هَٰذَا لَمَكۡرٞ مَّكَرۡتُمُوهُ فِي ٱلۡمَدِينَةِ لِتُخۡرِجُواْ مِنۡهَآ أَهۡلَهَاۖ فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ} (123)

103

ولكن الطواغيت المتجبرين لا يدركون كيف يتسرب النور إلى قلوب البشر ؛ ولا كيف تمازجها بشاشة الإيمان ؛ ولا كيف تلمسها حرارة اليقين . فهم لطول ما استعبدوا الناس يحسبون أنهم يملكون تصريف الأرواح وتقليب القلوب - وهي بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء - . . ومن ثم فوجىء فرعون بهذا الإيمان المفاجىء الذي لم يدرك دبيبه في القلوب ولم يتابع خطاه في النفوس ؛ ولم يفطن إلى مداخله في شعاب الضمائر . . ثم هزته المفاجأة الخطيرة التي تزلزل العرش من تحته : مفاجأة استسلام السحرة - وهم من كهنة المعابد - لرب العالمين . رب موسى وهارون . بعد أن كانوا مجموعين لإبطال دعوة موسى وهارون إلى رب العالمين ! . . والعرش والسلطان هما كل شيء في حياة الطواغيت . . وكل جريمة يمكن أن يرتكبوها بلا تحرج في سبيل المحافظة على الطاغوت :

( قال فرعون : آمنتم به قبل أن آذن لكم ! إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها . فسوف تعلمون . لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ، ثم لأصلبنكم أجمعين ) . .

هكذا . . ( آمنتم به قبل أن آذن لكم ! ) . . كأنما كان عليهم أن يستأذنوه في أن تنتفض قلوبهم للحق - وهم أنفسهم لاسلطان لهم عليها - أو يستأذنوه في أن ترتعش وجداناتهم - وهم أنفسهم لا يملكون من أمرها شيئاً - أو يستأذنوه في أن تشرق أرواحهم - وهم أنفسهم لا يمسكون مداخلها . أو كأنما كان عليهم أن يدفعوا اليقين وهو ينبت من الأعماق . أو أن يطمسوا الإيمان وهو يترقرق من الأغوار . أو أن يحجبوا النور وهو ينبعث من شعاب اليقين !

ولكنه الطاغوت جاهل غبي مطموس ؛ وهو في الوقت ذاته متعجرف متكبر مغرور !

ثم إنه الفزع على العرش المهدد والسلطان المهزوز :

( إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها ) . .

وفي نص آخر : ( إنه لكبيركم الذي علمكم السحر ) !

والمسألة واضحة المعالم . . إنها دعوة موسى إلى ( رب العالمين ) . . هي التي تزعج وتخيف . . إنه لا بقاء ولا قرار لحكم الطواغيت مع الدعوة إلى رب العالمين . وهم إنما يقوم ملكهم على تنحية ربوبية الله للبشر بتنحية شريعته . وإقامة أنفسهم أرباباً من دون الله يشرعون للناس ما يشاءون ، ويعبدون الناس لما يشرعون ! . . إنهما منهجان لا يجتمعان . . . أو هما دينان لا يجتمعان . . أو هما ربان لا يجتمعان . . وفرعون كان يعرف وملؤه كانوا يعرفون . . ولقد فزعوا للدعوة من موسى وهارون إلى رب العالمين . فأولى أن يفزعوا الأن وقد ألقي السحرة ساجدين . قالوا : آمنا برب العالمين . رب موسى وهارون ! والسحرة من كهنة الديانة الوثنية التي تؤله فرعون ، وتمكنه من رقاب الناس باسم الدين !

/خ126