التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلِلَّهِ غَيۡبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَإِلَيۡهِ يُرۡجَعُ ٱلۡأَمۡرُ كُلُّهُۥ فَٱعۡبُدۡهُ وَتَوَكَّلۡ عَلَيۡهِۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ} (123)

ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بهذه الآية الجامعة فقال : { وَللَّهِ غَيْبُ السماوات والأرض وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأمر كُلُّهُ فاعبده وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } .

أى : ولله - تعالى - وحده علم جميع ما غاب عن الحواس فى السموات والأرض ، وإليه وحده يرجع الأمر كله من إحياء وإماتة ، وهداية وضلال ، وصحة ومرض ، ونصر وهزيمة .

وما دام الأمر كذلك { فاعبده وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ } أى : فأخلص له العبادة ، واجعل توكلك عليه وحده .

{ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } بل هو مطلع وبصير بأعمال عباده جميعا ، لا يعزب عنه مثقال ذرة منها ، وسيجازى الذين أساءوا بما عملوا ، ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلِلَّهِ غَيۡبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَإِلَيۡهِ يُرۡجَعُ ٱلۡأَمۡرُ كُلُّهُۥ فَٱعۡبُدۡهُ وَتَوَكَّلۡ عَلَيۡهِۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ} (123)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَللّهِ غَيْبُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأمْرُ كُلّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبّكَ بِغَافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : { ولله } ، يا محمد ، ملك كلّ ما غاب عنك في السماوات والأرض ، فلم تطلع عيه ولم تعلمه ، كلّ ذلك بيده وبعلمه ، لا يخفى عليه منه شيء ، وهو عالم بما يعمله مشركو قومك ، وما إليه مصير أمرهم من إقامة على الشرك ، أو إقلاع عنه وتوبة . { وإلَيْهِ يُرْجَعُ الأمْر كُلّه } ، ُ يقول : وإلى الله معاد كلّ عامل وعمله ، وهو مجاز جميعهم بأعمالهم . كما :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : { وَإلَيْهِ يُرْجَعُ الأمْرُ كُلّهُ } ، قال : فيقضي بينهم بحكمه بالعدل . يقول : { فاعْبُدْهُ } ، يقول : فاعبد ربك ، يا محمد ، { وَتَوَكّلْ عَلَيْهِ } ، يقول : وفوّض أمرك إليه ، وثق به وبكفايته ، فإنه كافى من توكل عليه .

وقوله : { وَمَا رَبّكَ بغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ } ، يقول تعالى ذكره : وما ربك ، يا محمد ، بساه عما يعمل هؤلاء المشركون من قومك ، بل هو محيط به لا يعزب عنه شيء منه ، وهو لهم بالمرصاد ، فلا يحزنك إعراضهم عنك ولاتكذيبهم بما جئتهم به من الحقّ ، وامض لأمر ربك فإنك بأعيننا .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا زيد بن الحباب ، عن جعفر بن سليمان ، عن أبي عمران الجوني ، عن عبد الله بن رباح ، عن كعب ، قال : خاتمة التوراة ، خاتمة هود .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلِلَّهِ غَيۡبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَإِلَيۡهِ يُرۡجَعُ ٱلۡأَمۡرُ كُلُّهُۥ فَٱعۡبُدۡهُ وَتَوَكَّلۡ عَلَيۡهِۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ} (123)

وقوله تعالى : { ولله غيب السماوات والأرض } الآية ، هذه آية تعظم وانفراد بما لا حظ لمخلوق فيه ، وهو علم الغيب ، وتبين أن الخير والشر ، وجليل الأشياء وحقيرها - مصروف إلى أحكام مالكه{[6548]} ، ثم أمر البشر بالعبادة والتوكل على الله تعالى ، وفيها زوال همه وصلاحه ووصوله إلى رضوان الله .

وقرأ السبعة - غير نافع - «يرجعُ الأمرُ » على بناء الفعل للفاعل ، وقرأ نافع وحفص عن عاصم : «يُرجع الأمرُ » على بنائه للمفعول ورواها ابن أبي الزناد عن أهل المدينة ، وقرأ «تعملون » بالتاء من فوق ، نافع وابن عامر وحفص عن عاصم ، وهي قراءة الأعرج والحسن وأبي جعفر وشيبة وعيسى بن عمرو وقتادة والجحدري ، واختلف عن الحسن وعيسى ، وقرأ الباقون «يعملون » بالياء على كناية الغائب .


[6548]:- قال أبو علي الفارسي: المعنى: "علم ما غاب في السموات والأرض"، وأضاف الغيب إليهما توسعا.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلِلَّهِ غَيۡبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَإِلَيۡهِ يُرۡجَعُ ٱلۡأَمۡرُ كُلُّهُۥ فَٱعۡبُدۡهُ وَتَوَكَّلۡ عَلَيۡهِۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ} (123)

كلام جامع وهو تذييل للسورة مؤذن بختامها ، فهو من براعة المقطع . والواو عاطفة كلاماً على كلام ، أوْ واو الاعتراض في آخر الكلام ومثله كثير .

واللاّم في { لله } للملك وهو ملك إحاطة العلم ، أي لله ما غاب عن علم الناس في السماوات والأرض . وهذا كلام يجمع بشارة المؤمنين بما وُعدوا من النعيم المغيب عنهم ، ونذارة المشركين بما تُوعَدوا به من العذاب المغيب عنهم في الدنيا والآخرة .

وتقديم المجروريْن في { ولله غيب السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر } لإفادة الاختصاص ، أي الله لا غيره يملك غيب السماوات والأرض ، لأنّ ذلك ممّا لا يشاركه فيه أحد . وإلى الله لا إلى غيره يرجع الأمر كله ، وهو تعريض بفساد آراء الذين عبدوا غيره ، لأنّ من لم يكن كذلك لا يستحق أن يعبد ، ومن كان كذلك كان حقيقاً بأن يفرد بالعبادة .

ومعنى إرجاع الأمر إليه : أنّ أمر التّدبير والنصر والخذلان وغير ذلك يرجع إلى الله ، أي إلى علمه وقدرته ، وإنْ حسَب الناس وهيّأوا فطالما كانت الأمور حاصلة على خلاف ما استعد إليه المستعد ، وكثيراً ما اعتزّ العزيز بعزّته فلقي الخذلان من حيث لا يرتقب ، وربّما كان المستضعفون بمحل العزة والنصرة على أولي العزة والقوة .

والتعريف في { الأمر } تعريف الجنس فيعمّ الأمور ، وتأكيد الأمر ب { كله } للتّنصيص على العموم .

وقرأ مَن عدا نافعاً { يرجع } ببناء الفعل بصيغة النائب ، أي يرجع كل ذي أمر أمره إلى الله . وقرأه نافع بصيغة الفاعل على أن يكون ( الأمر ) هو فاعل الرجوع ، أي يرجع هو إلى الله .

وعلى كلتا القراءتين فالرجوع تمثيل لهيئة عجز الناس عن التصرف في الأمور حسب رغباتهم بهيئة متناول شيء للتصَرّف به ثم عدم استطاعته التصرف به فيرجعه إلى الحري بالتصرف به ، أو تمثيل لهيئة خضوع الأمور إلى تصرف الله دون تصرّف المحاولين التصرف فيها بهيئة المتجوّل الباحث عن مكان يستقرّ به ثم إيوائه إلى المقرّ اللائق به ورجوعه إليه ، فهي تمثيلية مكنية رُمز إليها بفعل { يرجع } وتعديته ب { إليه } .

وتفريع أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعبادة الله والتوكّل عليه على رجوع الأمر كله إليه ظاهر ، لأنّ الله هو الحقيق بأن يعبد وأن يتوكّل عليه في كلّ مهم . وهو تعريض بالتخطئة للذين عبدوا غيره وتوكّلوا على شفاعة الآلهة ونفعها . ويتضمّن أمر النبي عليه الصلاة والسّلام بالدّوام على العبادة والتوكّل .

والمراد أن يعبده دون غيره ويتوكّل عليه دون غيره بقرينة { وإليه يرجع الأمر كلّه } ، وبقرينة التفريع لأنّ الذي يرجع إليه كل أمر لا يعقل أن يصرف شيء من العبادة ولا من التوكّل إلى غيره ، فلذلك لم يؤْتَ بصيغة تدل على تخصيصه بالعبادة للاستغناء عن ذلك بوجوب سبب تخصيصه بهما .

وجملة { وما ربك بغافل عَمّا تعملون } فذلكة جامعة ، فهو تذييل لما تقدّم . والواو فيه كَالْوَاو في قوله : { ولله غيبُ السّماوات والأرض } فإنّ عدم غفلته عن أيّ عمل أنّه يعطي كل عامل جزاء عمله إنْ خيراً فخير وإنْ شراً فشرّ ، ولذلك علّق وصف الغافل بالعمل ولم يعلّق بالذوات نحو : بغافل عنكم ، إيماء إلى أنّ على العمل جزاء .

وقرأ نافع ، وابن عامر ، وحفص عن عاصم ، وأبو جعفر ، ويعقوب « عمّا تعملون » بتاء فوقية خطاباً للنبيء صلى الله عليه وسلم والناس معه في الخطاب . وقرأ من عداهم بالمثنّاة التحتيّة على أن يعود الضمير إلى الكفّار فهو تسلية للنبيء عليه الصلاة والسّلام وتهديد للمشركين .