التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدۡعُونَنِيٓ إِلَيۡهِ لَيۡسَ لَهُۥ دَعۡوَةٞ فِي ٱلدُّنۡيَا وَلَا فِي ٱلۡأٓخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَآ إِلَى ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ هُمۡ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِ} (43)

ثم يؤكد لهم بصورة لا تقبل الشك أو التردد أنما يطلبونه منه هو الباطل وأن ما يطلبه منهم هو الحق فيقول : { لاَ جَرَمَ أَنَّمَا تدعونني إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدنيا وَلاَ فِي الآخرة . . }

وجرم : فعل ماض بمعنى حق وثبت ووجب . وقد وردت هذه الكلمة فى القرآن فى خمسة مواضع ، وفى كل موضع جاءت متلوة بأنّ واسمها .

وجمهورالنحاة على أنها مركبة من " لا " و " جرم " تركيب خمسة عشر . ومعناها بعد هذا التركيب معنى الفعل حق وثبت ، والجملة بعدها هى الفاعل لهذا الفعل . .

ومن النحاة من يرى أن " لا " نافية للجنس ، و " جرم " اسمها ، وما بعدها خبرها .

أى : حق وثبت لدى بما لا يقبل الشك ، أن آلهتكم التى تدعوننى لعبادتها آلهة باطلة ، لا وزن لها ولا قيمة لا فى الدنيا ولا فى الآخرة . .

{ وَأَنَّ مَرَدَّنَآ } جميعا { إِلَى الله } - تعالى - وحده { وَأَنَّ المسرفين } أى : المستكثرين من المعاصى فى الدنيا { هُمْ أَصْحَابُ النار } فى الآخرة .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدۡعُونَنِيٓ إِلَيۡهِ لَيۡسَ لَهُۥ دَعۡوَةٞ فِي ٱلدُّنۡيَا وَلَا فِي ٱلۡأٓخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَآ إِلَى ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ هُمۡ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِ} (43)

القول في تأويل قوله تعالى : { لاَ جَرَمَ أَنّمَا تَدْعُونَنِيَ إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدّنْيَا وَلاَ فِي الاَخِرَةِ وَأَنّ مَرَدّنَآ إِلَى اللّهِ وَأَنّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النّارِ } .

يقول : حقا أن الذي تدعونني إليه من الأوثان ، ليس له دعاء في الدنيا ولا في الاَخرة ، لأنه جماد لا ينطق ، ولا يفهم شيئا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدّنْيا قال : الوثن ليس بشيء .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدّنْيا وَلا فِي الاَخِرَةِ : أي لا ينفع ولا يضرّ .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، في قوله : لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدّنْيا وَلا فِي الاَخِرَةِ .

وقوله : وأنّ مَرَدّنا إلى اللّهِ يقول : وأن مرجعنا ومنقلبنا بعد مماتنا إلى الله وأنّ المُسْرِفِينَ هُمْ أصحَابُ النّارِ يقول : وإن المشركين بالله المتعدّين حدوده ، القتلة النفوس التي حرّم الله قتلها ، هم أصحاب نار حهنم عند مرجعنا إلى الله . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل على اختلاف منهم في معنى المسرفين في هذا الموضع ، فقال بعضهم : هم سفاكو الدماء بغير حقها . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد ، في قوله : وإن الُمْسرفين هُمُ أصحابُ النارِ قال : هم السفاكون الدماء بغير حقها .

حدثناعليّ بن سهل ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد في قول الله وأنّ المُسْرِفينَ هْمُ أصحابُ النارِ قال : هم السفاكون الدماء بغير حقها .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : وأنّ المُسْرِفينَ قال : السفاكون الدماء بغير حقها ، هم أصحاب النار .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وأنّ المُسْرِفِينَ هُمْ أصحابُ النارِ قال : سماهم الله مسرفين ، فرعون ومن معه .

وقال آخرون : هم المشركون . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، وأنّ المُسْرِفينَ هُمْ أصحَابُ النّارِ : أي المشركون .

وقد بيّنا معنى الإسراف فيما مضى قَبْلُ بما فيه الكفاية من إعادته في هذا الموضع .

وإنما اخترنا في تأويل ذلك في هذا الموضع ما اخترنا ، لأن قائل هذا القول لفرعون وقومه ، إنما قصد فرعون به لكفره ، وما كان همّ به من قتل موسى ، وكان فرعون عاليا عاتيا في كفره سفاكا للدماء التي كان محرّما عليه سفكها ، وكلّ ذلك من الإسراف ، فلذلك اخترنا ما اخترنا من التأويل في ذلك .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدۡعُونَنِيٓ إِلَيۡهِ لَيۡسَ لَهُۥ دَعۡوَةٞ فِي ٱلدُّنۡيَا وَلَا فِي ٱلۡأٓخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَآ إِلَى ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ هُمۡ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِ} (43)

و : { لا جرم } مذهب سيبويه والخليل أنها { لا } النافية دخلت على { جرم } ، ومعنى : { جرم } ثبت ووجب ، ومن ذلك جرم بمعنى كسب ، ومنه قول الشاعر [ أبو اسماء بن الضريبة ] : [ الكامل ]

ولقد طعنت أبا عيينة طعنة . . . جرمت فزارة بعدها من أن يغضبوا{[10005]}

أي أوجبت لهم ذلك وثبتته لهم ، فكأنه الكلام نفي للكلام المردود عليه ب { لا } ، وإثبات للمستأنف ب { جرم } و «أن » على هذا النظر في موضع رفع ب { جرم } ، وكذلك { أن } الثانية والثالثة ، ومذهب جماعة من أهل اللسان أن { لا جرم } بمعنى لا بد ولا محالة ف { أن } على هذا النظر في موضع نصب بإسقاط حرف الجر ، أي لا محالة بأن ما . و «ما » بمعنى الذي واقعة على الأصنام وما عبدوه من دون الله .

وقوله : { ليس له دعوة } أي قدر وحق يجب أن يدعى أحد إليه ، فكأنه تدعونني إلى ما لا غناء له وبين أيدينا خطب جليل من الرد إلى الله . وأهل الإسراف والشرك . هم أصحاب النار بالخلود فيها والملازمة ، أي فكيف أطيعكم مع هذه الأمور الحقائق ، في طاعتكم رفض العمل بحسبها والخوف . قال ابن مسعود ومجاهد : المسرفون : سفاكو الدماء بغير حلها{[10006]} . وقال قتادة : هم المشركون .


[10005]:البيت للفزاري، أبي أسماء بن الضريبة، وقيل هو لعطية بن عفيف. وهو في الكتاب لسيبويه، وفي الخزانة، واللسان (جرم)، والاشتقاق، والمقتضب. والبيت يقرأ بضم التاء في (طعنت) وهو غلط والصواب فتحها، لأن الشاعر خاطب بها كرزا العقيلي ورثاه، وكان كرز قد طعن أبا عيينة وهو حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري في يوم الحاجر، ويدل على ذلك قوله قبله: (يا كرز إنك قد فتكت بفارس)، وفي الحزانة قال سيبويه: (إن جرم في البيت فعل ماض بمعنى حق، وفزارة فاعل، وأن يغضبوا بدل اشتمال، أي حق غضب فزارة بعده)، وقال الفراء: (إن الرواية هي بنصب فزارة، أي كسبت الطعنة فزارة الغضب، أي جرمت لهم الغضب)، وليس في كلام سيبويه ما يؤدي هذا المعنى، بل إن كلامه يقتضي أن (جرم) فعل يرفع الفاعل، والفاعل في البيت ضمير الطعنة. والكلام في البيت طويل كثير، والخلاف بين النحويين فيه متعدد، والمهم أن (جرم) عند سيبويه فعل، وعند الفراء اسم. وسيبويه يرى أن (لا) زائدة قبل (جرم) إلا أنها لزمتها لأنها كالمثل، ويرى الخليل أن (لا جرم) إنما تكون جوابا لما قبلها من الكلام، تقول: الرجل كان كذا وكذا، فتقول: لا جرم أنهم سيندمون، أو أنه سيكون كذا وكذا.
[10006]:في القرطبي: (بغير حقها).