التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يُوفُونَ بِٱلنَّذۡرِ وَيَخَافُونَ يَوۡمٗا كَانَ شَرُّهُۥ مُسۡتَطِيرٗا} (7)

ثم بين - سبحانه - بعد ذلك فى آيات متعددة ، الأسباب التى من أجلها وصلوا إلى النعيم الدائم . فقال - تعالى - : { يُوفُونَ بالنذر وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً } .

والنذر : ما يوجبه الإِنسان على نفسه من طاعة الله - تعالى - ، والوفاء به : أداؤه أداء كاملا . أى : أن من الأسباب التى جعلت الأبرار يحصلون على تلك النعم ، أنهم من أخلاقهم الوفاء بالنذل ، ومن صفاتهم - أيضا - أنهم يخافون يوما عظيما هو يوم القيامة ، الذى كان عذابه فاشياً منتشراً غاية الانتشار .

فقوله : { مُسْتَطِيراً } اسم فاعل من استطار الشئ إذا انتشر وامتد أمره ، والسين والتاء فيه للمبالغة ، وأصله طار . ومنه قولهم : استطار الغبار ، إذا انتشر فى الهواء وتفرق وجئ بصيغة المضارع فى قوله : { يُوفُونَ } للدلالة على تجدد وفائهم فى كل وقت وحين .

والتعريف فى " النذر " للجنس ، لأنه يعم كل نذر .

وجاء لفظ اليوم منكراً ، ووصف بأن له شراً مستطيرا . . لتهويل أمره ، وتعظيم شأنه ، حتى يستعد الناس لاستقباله بالإِيمان والعمل الصالح .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يُوفُونَ بِٱلنَّذۡرِ وَيَخَافُونَ يَوۡمٗا كَانَ شَرُّهُۥ مُسۡتَطِيرٗا} (7)

القول في تأويل قوله تعالى : { يُوفُونَ بِالنّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرّهُ مُسْتَطِيراً * وَيُطْعِمُونَ الطّعَامَ عَلَىَ حُبّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً } .

يقول تعالى ذكره : إن الأبرار الذين يشربون من كأس كان مزاجها كافورا ، برّوا بوفائهم لله بالنذور التي كانوا ينذرونها في طاعة الله . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : يُوفُونَ بالنّذْرِ قال : إذا نذروا في حق الله .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : يُوفُونَ بالنّذْرِ قال : كانوا ينذرون طاعة الله من الصلاة والزكاة ، والحجّ والعمرة ، وما افترض عليهم ، فسماهم الله بذلك الأبرار ، فقال : يُوفُونَ بالنّذْرِ ويَخافُونَ يَوْما كانَ شَرّهُ مُسْتَطِيرا .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة يُوفُونُ بالنّذْرِ قال : بطاعة الله ، وبالصلاة ، وبالحجّ ، وبالعمرة .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، قوله : يُوفُونَ بالنّذْرِ قال : في غير معصية .

وفي الكلام محذوف اجتزىء بدلالة الكلام عليه منه ، وهو كان ذلك . وذلك أن معنى الكلام : إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا ، كانوا يوفون بالنذر ، فترك ذكر كانوا لدلالة الكلام عليها والنذر : هو كلّ ما أوجبه الإنسان على نفسه من فعل ومنه قول عنترة :

الشّاتِمَيْ عِرْضِي وَلمْ أشْتُمْهُما *** والنّاذِرَيْنَ إذا لَمْ ألْقَهُما دَمي

وقوله : وَيخافُونَ يَوْما كانَ شَرّهُ مُسْتَطِيرا يقول تعالى ذكره : ويخافون عقاب الله بتركهم الوفاء بما نذروا لله من برّ في يوم كان شرّه مستطيرا ، ممتدّا طويلاً فاشيا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَيخافُونَ يَوْما كانَ شَرّهُ مُسْتَطِيرا استطاروا الله شرّ ذلك اليوم حتى ملأ السموات والأرض .

وأما رجل يقول عليه نذر أن لا يصل رحما ، ولا يتصدّق ، ولا يصنع خيرا ، فإنه لا ينبغي أن يكفر عنه ، ويأتي ذلك ، ومنه قولهم : استطار الصدع في الزجاجة واستطال : إذا امتدّ ، ولا يقال ذلك في الحائط ومنه قول الأعشى :

فَبانَتْ وَقد أثأرَتْ فِي الفُؤَا *** دِ صَدْعا عَلى نَأَيِها مُسْتَطِيرَا

يعني : ممتدّا فاشيا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يُوفُونَ بِٱلنَّذۡرِ وَيَخَافُونَ يَوۡمٗا كَانَ شَرُّهُۥ مُسۡتَطِيرٗا} (7)

وصف الله تعالى حال الأبرار أنهم كانوا { يوفون بالنذر } ، أي بكل ما نذروه وأعطوا به عهداً{[11504]} ، يقال وفى الرجل وأوفى ، و «اليوم » المشار إليه يوم القيامة ، و { مستطيراً } معناه متصلاً شائعاً كاستطارة الفجر والصدع في الزجاجة ، وبه شبه في القلب ، ومن ذلك قول الأعشى : [ المتقارب ]

فبانت وقد أسأرت في الفؤاد*** صدعاً على نأيها مستطيرا{[11505]}

وقول ذي الرمة : [ الوافر ]

أراد الظاعنون لحيزنوني*** فهاجوا صدع قلبي فاستطاروا{[11506]}


[11504]:النذر هو إيجاب المكلف على نفسه من الطاعات ما لو لم يوجبه لم يلزمه، فهو يوجب على نفسه شيئا غير واجب عليه، وقد قال قتادة: المراد: يوفون بما فرض الله عليهم من الصلاة والزكاة والصوم والحج والعمرة وغيره من الواجبات، ويقوي هذا قوله تعالى: (ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم) أي أعمال نسكهم التي ألزموا بها أنفسهم حين أحرموا بالحج، ومعنى هذا أن النذر يندرج فيه ما التزمه المرء بإيمانه من امتثال أمر الله، قال ذلك القشيري ونقله عنه القرطبي.
[11505]:هذا البيت من قصيدة قالها الأعشى يمدح هوذة بن علي الحنفي، وبعده يقول: كصدع الزجاجة ما تستطيـ ـع كف الصناع لها أن تحيرا والبين: البعد والفراق، والصدع: الشق في الشيء الصلب، ثم استعمل في القلب تجوزا، والنأي: البعد، ومستطيرا: منتشرا شائعا، والصناع: الماهر في الصنعة، وأن تحيرا: أن تصلحها وترجعها كما كانت، والشاهد استعمال كلمة مستطيرا بمعنى الانتشار والاستطالة في بيان ما يحدثه ألم الفراق في القلب تشبيها له بالزجاجة. والبيت في الطبري، وابن كثير، والقرطبي، والشوكاني.
[11506]:الحزن: نقيض الفرح، وتقول: حزنني وأحزنني، وصدع القلب كناية عما حدث فيه من آلام وأحزان، واستطار: انتشر وتشعب واستطال، والشاهد هو ما ذكرناه في البيت السابق.