التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَسۡتَ مُرۡسَلٗاۚ قُلۡ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدَۢا بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡ وَمَنۡ عِندَهُۥ عِلۡمُ ٱلۡكِتَٰبِ} (43)

ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بالشهادة للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه صادق في رسالته فقال : { وَيَقُولُ الذين كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً } .

أى : لست مرسلا من عند الله - تعالى - ، وقد حكى - سبحانه - قولهم الباطل هذا بصيغة الفعل المضارع ، للإِشارة إلى تكرار هذا القول منهم ، ولاستحضار أحوالهم العجيبة الدالة على إصرارهم على العناد والجحود .

وقوله : { قُلْ كفى بالله شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكتاب } أمر من الله - تعالى - لرسوله بأن يرد عليهم بما يخرس ألسنتهم .

والباء الداخلة على اسم الجلالة الذي هو فاعل { كفى } في المعنى ، مزيدة للتأكيد ، وقوله { وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكتاب } معطوف على اسم الجلالة ، والمراد بالموصول وبالكتاب الجنس .

والمعنى : قل لهم - أيها الرسول الكريم - تكفى شهادة الله بينى وبينكم ، فهو يعلم صدق دعوتى ، ويعلم كذبكم ، ويعلم ذلك - أيضا - كل من كان على علم بالكتب السماوية السابقة فإنها قد بشرت برسالتى ، وجاءت أوصافى فيها . . .

وممن شهد لى بالنبوة ورقة بن نوفل ، فأنتم تعلمون أنه قال لى عندما أخبرته بما حدث لى في غار حراء : " هذا هو الناموس - أى الوحى - الذي أنزله الله على موسى " . . .

وقيل المراد بمن عنده علم الكتاب : المسلمون ، وبالكتاب : القرآن ، والأول أرجح لشموله لكل من كان عنده بالكتب السماوية السابقة ، إذ هذا الشمول أكثر دلالة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه .

وبعد : فهذه هي سورة الرعد ، وهذا تفسير وسيط لآياتها . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَسۡتَ مُرۡسَلٗاۚ قُلۡ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدَۢا بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡ وَمَنۡ عِندَهُۥ عِلۡمُ ٱلۡكِتَٰبِ} (43)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَقُولُ الّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَىَ بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ } .

يقول تعالى ذكره وَيَقُولُ الّذِينَ كَفَرُوا بالله من قومك يا محمد لَسْتَ مُرْسَلاً تكذيبا منهم لك ، وجحودا لنبوّتك ، فَقُلْ لهم إذا قالوا ذلك : كَفَى باللّهِ يقول : قل حسبي الله شَهِيدًا ، يعني شاهدا ، بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ عليّ وعليكم بصدقي وكذبكم ، وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْم الكِتابِ ، فمن إذا قرىء به كذلك في موضع خفض عطفا به على اسم الله ، وكذلك قرأ قرأة الأمصار بمعنى : والذين عندهم علم الكتاب ، الكتب التي نزلت قبل القرآن كالتوراة والإنجيل ، وعلى هذه القراءة فسّر ذلك المفسرون . ذكر الرواية بذلك :

حدثني علي بن سعيد الكندي ، قال : حدثنا أبو محياة يحيى بن يعلى ، عن عبد الملك بن عمير ، عن ابن أخي عبد الله بن سلام ، قال : قال عبد الله بن سلام : نزلت فيّ : كَفَى باللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الكِتابِ .

حدثنا الحسين بن عليّ الصدائي ، قال : حدثنا أبو داود الطيالسي ، قال : حدثنا شعيب بن صفوان ، قال : حدثنا عبد الملك بن عمير ، أن محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام ، قال : قال عبد الله بن سلام : أنزل فيّ : قُلْ كَفَى باللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمِنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الكِتابِ .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : قُلْ كَفَى باللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الكِتابِ فالذين عندهم علم الكتاب : هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا الأشجعي ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد : وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الكِتابِ قال : هو عبد الله بن سلام .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح ، في قوله : وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الكِتابِ قال : رجل من الإنس ، ولم يسمه .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الكِتابِ عبد الله بن سلام .

قال : حدثنا يحيى بن عباد ، قال : حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد : وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الكِتابِ .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَيَقُولُ الّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قال : قول مشركي قريش : قُلْ كَفَى باللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الكِتابِ أناس من أهل الكتاب كانوا يشهدون بالحقّ ويقرّون به ، ويعلمون أن محمدا رسول الله ، كما يحدّث أن منهم عبد الله بن سلام .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن قتادة : وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الكِتابِ قال : كان منهم عبد الله بن سلام ، وسلمان الفارسيّ ، وتميم الداريّ .

حدثنا الحسن ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، عن سعيد ، عن قتادة : وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الكِتابِ قال هو عبد الله بن سلام .

وقد ذُكر عن جماعة من المتقدمين أنهم كانوا يقرءونه : «وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتابُ » بمعنى : من عند الله علم الكتاب . ذكر من ذُكر ذلك عنه :

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن هارون ، عن جعفر بن أبي وحشية ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : «وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتابُ » يقول : من عند الله عُلِم الكتاب .

حدثني محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد : «وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتابُ » قال : من عند الله .

قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد : «وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتابُ » قال : من عند الله علم الكتاب .

وقد حدثنا هذا الحديث الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد : «وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتابُ » قال : هو الله ، هكذا قرأ الحسن : «وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتابُ » .

قال : حدثنا شعبة ، عن منصور بن زاذان ، عن الحسن ، مثله .

قال : حدثنا عليّ ، يعني ابن الجعد ، قال : حدثنا شعبة ، عن منصور بن زاذان ، عن الحسن : «وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتابُ » قال : الله ، قال شعبة : فذكرت ذلك للحكم ، فقال : قال مجاهد ، مثله .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، قال : سمعت منصور بن زاذان يحدّث عن الحسن ، أنه قال في هذه الآية : «وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتابُ » قال : من عند الله .

قال : حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا هوذة ، قال : حدثنا عوف ، عن الحسن : «وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتابُ » قال : من عند الله علم الكتاب .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الحسن : «وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتابُ » قال : من عند الله علم الكتاب ، هكذا قال ابن عبد الأعلى .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : كان الحسن يقرؤها : «قُلْ كَفَى باللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكتابُ » يقول : من عند الله علم الكتاب ، وجملته .

هكذا حدثنا به بشر : علم الكتاب ، وأنا أحسبه وَهَم فيه ، وأنه : «وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتابُ » لأن قوله وجملته اسم لا يعطف باسم على فعل ماض .

حدثنا الحسن ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، عن هارُون : «وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتابُ » يقول : من عند الله علم الكتاب .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج بن المنهال ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، قال : قلت لسعيد بن جبير : «وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتابُ » أهو عبد الله بن سلام ؟ قال : هذه السورة مكية ، فكيف يكون عبدَ الله بن سلام ؟ قال : وكان يقرؤها : «وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتابُ » يقول : من عند الله .

حدثنا الحسن ، قال : حدثنا سعيد بن منصور ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، قال : سألت سعيد بن جبير ، عن قول الله : «وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتابُ » أهو عبد الله بن سلام ؟ قال : فكيف وهذه السورة مكية ، وكان سعيد يقرؤها : «وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتابُ » .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني عباد ، عن عوف ، عن الحسن وجويبر ، عن الضحاك بن مزاحم ، قالا : «وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتابُ » قال : من عند الله .

وقد رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر بتصحيح هذه القراءة وهذا التأويل ، غير أن في إسناده نظرا ، وذلك ماحدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني عباد بن العوّام ، عن هارون الأعور ، عن الزهريّ ، عن سالم بن عبد الله ، عن أبيه ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قرأ : «وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتابُ » عند الله علم الكتاب .

وهذا خبر ليس له أصل عند الثقات من أصحاب الزهريّ .

فإذا كان ذلك كذلك وكانت قرّاء الأمصار من أهل الحجاز والشام والعراق على القراءة الأخرى ، وهي : وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الكِتابِ ، كان التأويل الذي على المعنى الذي عليه قرّاء الأمصار أولى بالصواب ممن خالفه ، إذ كانت القراءة بما هم عليه مجمعون أحقّ بالصواب .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَسۡتَ مُرۡسَلٗاۚ قُلۡ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدَۢا بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡ وَمَنۡ عِندَهُۥ عِلۡمُ ٱلۡكِتَٰبِ} (43)

{ ويقول الذين كفروا لست مُرسلاً } قيل المراد بهم رؤساء اليهود . { قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم } فإنه أظهر من الأدلة على رسالتي ما يغني عن شاهد يشهد عليها . { ومن عنده علم الكتاب } علم القرآن وما ألف عليه من النظم المعجز ، أو علم التوراة وهو ابن سلام وأضرابه ، أو علم اللوح المحفوظ وهو الله تعالى ، أي كفى بالذي يستحق العبادة وبالذي لا يعلم ما في اللوح المحفوظ إلا هو شهيدا بيننا فيخزي الكاتب منا ، ويؤيده قراءة من قرأ { ومن عنده } بالكسر و{ علم الكتاب } وعلى الأول مرتفع بالظرف فإنه معتمد على الموصول ، ويجوز أن يكون مبتدأ والظرف خبره وهو متعين على الثاني . وقرئ { ومن عنده علم الكتاب } على الحرف والبناء للمفعول .

ختام السورة:

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة الرعد أعطي من الأجر عشر حسنات بوزن كل سحاب مضى وكل سحاب يكون إلى يوم القيامة ، وبعث يوم القيامة من الموفين بعهد الله " .