التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{۞وَتَرَى ٱلشَّمۡسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَٰوَرُ عَن كَهۡفِهِمۡ ذَاتَ ٱلۡيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقۡرِضُهُمۡ ذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَهُمۡ فِي فَجۡوَةٖ مِّنۡهُۚ ذَٰلِكَ مِنۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِۗ مَن يَهۡدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلۡمُهۡتَدِۖ وَمَن يُضۡلِلۡ فَلَن تَجِدَ لَهُۥ وَلِيّٗا مُّرۡشِدٗا} (17)

قال الآلوسى : " قوله : { وترى الشمس . . } بيان لحالهم بعد ما أووا إلى الكهف . . والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل أحد ممن يصلح ، وهو للمبالغة فى الظهور ، وليس المراد الإِخبار بوقوع الرؤية ، بل المراد الإِخبار بكون الكهف لو رأيته ترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين . . . " .

وقوله { تزاور } من الزور بمعنى الميل . ومنه قولهم : زار فلان صديقه ، أى : مال إليه . ومنه شهادة الزور ، لأنها ميل عن الحق إلى الباطل . ويقال : فلان أزور ، إذا كان مائل الصدر ، ويقال : تزاور فلان عن الشئ ، إذا انحرف عنه .

وفى هذا اللفظ ثلاث قراءات سبعية . فقد قرأ ابن عامر { تزور } بزنة تحمر . وقرأ الكوفيون - عاصم وحمزة والكسائى - { تزاور } بفتح الزاى - وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو { تزَّاور } بتشديد الزاى - . وأصله تتزاور فحذفت إحدى التاءين تخفيفا .

ومعنى : { تقرضهم } تقطعهم وتتجاوزهم وتتركهم ، من القرض بمعنى القطع والصرم ، يقال : قرض المكان ، أى : عدل عنه وتركه .

والمعنى : إنك - أيها المخاطب - لو رأيت أهل الكهف ، لرأيتهم على هذه الصورة ، وهى أن الشمس إذا طلعت من مشرقها ، مالت عن كهفهم جهة اليمين ، وإذا غربت ، تراها عند غروبها ، تميل عنهم كذلك ، فهى فى الحالتين لا تصل إليهم ، حماية من الله - تعالى - لهم ، حتى لا تؤذيهم بحرها ، بأن تغير ألوانهم ، وتبلى ثيابهم .

وقوله : { وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ } جملة حالية . أى : والحال أنهم فى مكان متسع من الكهف وهو وسطه ، والفجوة : هى المكان المتسع ، مأخوذة من الفجا ، وهو تباعد ما بين الفخذين ، ومنه قولهم : رجل أفجى ، وامرأة فَجْوَاء .

وللمفسرين فى تأويل هذه الآية اتجاهان لخصهما الإِمام الرازى فقال : " للمفسرين هنا قولان : أولهما : أن باب ذلك الكهف كان مفتوحا إلى جانب الشمال ، فإذا طلعت الشمس كانت على يمين الكهف ، وإذا غربت كانت على شماله ، فضوء الشمس ما كان يصل إلى داخل الكهف ، وكان الهواء الطيب والنسيم الموافق يصل .

والثانى : يرى أصحابه أنه ليس المراد ذلك ، وإنما المراد أن الشمس إذا طلعت منع الله - تعالى - ضوءها من الوقوع عليهم ، وكذا القول فى حال غروبها ، وكان ذلك فعلا خارقا للعادة ، وكرامة عظيمة خص الله بها أصحاب الكهف . . " .

ومن هذين الرأيين يتبين لنا أن أصحاب الرأى الأول ، يرجعون عدم وصول حر الشمس إلى هؤلاء الفتية إلى أسباب طبيعية حماهم الله - تعالى - بها ومن بينها أن الكهف كان مفتوحا إلى جهة الشمال .

أما أصحاب الرأى الثانى فيردون عدم وصول أشعة الشمس إليهم إلى أسباب غير طبيعية ، بمعنى أن الفتية كانوا فى متسع من الكهف ، أى : فى مكان تصيبه الشمس ، إلا أن الله - تعالى - بقدرته التى لا يعجزها شئ ، منع ضوء الشمس وحرها من الوصول إليهم ، خرقا للعادة على سبيل التكريم لهم .

ومع وجاهة الرأيين ، إلا أن النفس أميل إلى الرأى الثانى ، لأن قوله - تعالى - { وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ } يشير إلى أنهم مع اتساع المكان الذى ينامون فيه - وهو الفجوة - لا تصيبهم الشمس لا عند الطلوع ولا عند الغروب ، وهذا أمر خارق للعادة ، ويدل على عجيب حالهم ، كما أن قوله - تعالى - بعد ذلك { ذلك مِنْ آيَاتِ الله } يشعر بأن أمر هؤلاء الفتية فيه غرابة ، وليس أمراً عاديا مألوفا .

قال الآلوسى : " وأكثر المفسرين على أنهم لم تصبهم الشمس أصلا ، وإن اختلفوا فى منشأ ذلك واختار جمع منهم ، أنه لمحض حجب الله - تعالى - الشمس على خلاف ما جرت به العادة ، والإِشارة تؤيد ذلك أتم تأييد ، والاستبعاد مما لا يلتفت إليه ، لا سيما فيما نحن فيه ، فإن شأن أصحاب الكهف كله على خلاف العادة . . " .

وعلى هذا الرأى الثانى يكون اسم الإِشارة فى قوله : { ذلك مِنْ آيَاتِ الله } إلى ما فعله الله - تعالى - معهم ، من حجب ضوء الشمس عنهم مع أنهم فى متسع من الكهف .

أى : ذلك الذى فعلناه معهم من آياتنا الدالة على قدرتنا الباهرة ، وإرادتنا التى لا يعجزها شئ .

وأما على الرأى الأول فيكون اسم الاشارة مرجعه إلى ما سبق من الحديث عنهم ، كهدايتهم إلى التوحيد ، وإخراجهم من بين عبدة الأوثان ، ولجوئهم إلى الكهف ، وجعل باب الكهف على تلك الكيفية ، إلى غير ذلك مما ذكر - سبحانه - عنهم .

أى : ذلك الذى ذكرناه لك عنهم - أيها الرسول الكريم - هو من آيات الله الدالة على وحدانيته وقدرته .

ثم ختم - سبحانه - الآية بقوله : { مَن يَهْدِ الله فَهُوَ المهتد وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً } .

أى : من يهده الله إلى طريق الحق ، ويوفقه إلى الصواب ، فهو المهتد ، أى فهو الفائز بالحظ الأوفر فى الدارين ، ومن يضلله الله - تعالى - عن الطريق المستقيم ، فلن تجد له - يا محمد - نصيرا ينصره ، ومرشدا يرشده إلى طريق الحق .

كما قال تعالى : - { مَن يَهْدِ الله فَهُوَ المهتدي وَمَن يُضْلِلْ فأولئك هُمُ الخاسرون } وكما قال - سبحانه - : { وَمَن يَهْدِ الله فَهُوَ المهتد وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِهِ . . . }