فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{۞وَتَرَى ٱلشَّمۡسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَٰوَرُ عَن كَهۡفِهِمۡ ذَاتَ ٱلۡيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقۡرِضُهُمۡ ذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَهُمۡ فِي فَجۡوَةٖ مِّنۡهُۚ ذَٰلِكَ مِنۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِۗ مَن يَهۡدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلۡمُهۡتَدِۖ وَمَن يُضۡلِلۡ فَلَن تَجِدَ لَهُۥ وَلِيّٗا مُّرۡشِدٗا} (17)

{ وترى الشمس إذا طلعت } شرع سبحانه في بيان حالهم بعد أن أووا إلى الكهف { تزاور } مأخوذ من الزور بفتح الواو وهو الميل ، ومنه زاره إذا مال إليه ، وقيل تزور بمعنى تنقبض من ازورّ أي انقبض والأول أولى . ومعنى الآية أن الشمس إذا طلعت تميل وتعدل وتتنحى { عن كهفهم ذات اليمين } أي ناحية اليمين وهي الجهة المسماة باليمين .

{ وإذا غربت تقرضهم } القرض القطع ، قال الكسائي والأخفش والزجاج وأبو عبيد ة : تعدل عنهم وتتركهم ، قرضت المكان عدلت عنه ، تقول لصاحبك هل وردت مكان كذا ؟ فيقول إنما قرضته إذا مر به وتجاوز عنه .

وقال الفارسي : معنى تقرضهم تعطيهم من ضوئها شيئا ثم يزول بسرعة كالقرض يسترد ، وقد ضعف بأنه كان ينبغي أن يقرأ تقرضهم بضم التاء لأنه من أقرض ، والمعنى أن الشمس إذا طلعت مالت عن كهفهم ذات اليمين ، أي يمين الداخل للكهف إذا غربت تمر .

{ ذات الشمال } أي جهة شمال الكهف لا تصيبه لا في ابتداء النهار ولا في أخر الليل بل تعدل عن سمته إلى الجهتين { وهم في فجوة منه } الفجوة المكان المتسع ، ومما يدل على أن الفجوة المكان الواسع قول الشاعر :

ألبست قومك مخزاة ومنقصة *** حتى أبيحوا وخلوا فجوة الدار

وقال سعيد ابن جبير : الفجوة الخلوة من الأرض ويعني بالخلوة الناحية منها وللمفسرين في تفسير هذه الجملة قولان :

الأول : أنهم مع كونهم في مكان منفتح انفتاحا واسعا في ظل جميع نهارهم لا تصيبهم الشمس في طلوعها ولا في غروبها لأن الله حجبها عنهم كرامة .

والثاني : أن باب ذلك الكهف كان مفتوحا إلى جانب الشمال مستقبلا لبنات النعش في أرض الروم ، فإذا طلعت الشمس كانت عن يمين الكهف وإذا غربت كانت عن يساره ولا تقع عليهم عند الطلوع ولا عند الغروب ولا عند الاستواء فتؤذيهم بحرها وتغير ألوانهم وتبلي ثيابهم ، ولكن اختار الله لهم مضجعا في متسع ينالهم فيه برد الريح ونسيمها ويدفع عنهم كرب الغار وغمه .

ويؤيد القول الأول قوله { ذلك من آيات الله } فإن صرف الشمس عنهم مع توجه الفجوة إلى مكان تصل إليه عادة أنسب بمعنى كونها آية . ويؤيده أيضا إطلاق الفجوة وعدم تقييدها بكونها إلى جهة كذا ، وعلى الثاني يكون المعنى إن شأنهم وحديثهم من آيات الله والأول أولى . وقد قيل إنه كان لكهفهم حاجب من جهة الجنوب وحاجب من جهة الدبور وهم في زاويته .

وذهب الزجاج إلى أن فعل الشمس كان آية من الله تعالى من دون أن يكون باب الكهف إلى جهة توجب ذلك . وعلى الجملة فالآية في ذلك أن الله تعالى أواهم إلى كهف هذه صفته لا إلى كهف آخر يتأذون فيه بانبساط الشمس عليهم في معظم النهار ، وعلى هذا فيمكن أن يكون صرف الشمس عنهم بإضلال غمام أو سبب أخر .

والمقصود بيان حفظهم من تطرق البلاء وتغير الأبدان والألوان إليهم والتأذي بحر أو برد .

ثم أثنى سبحانه عليهم بقوله : { من يهد الله } إلى الحق مثل أصحاب الكهف { فهو المهتد } الذي ظفر بالهدى وأصاب الرشد والفلاح { ومن يضلل } أي يضلله الله ولم يرشده كدقيانوس وأصحابه { فلن تجد له وليا مرشدا } أي لا ناصر يهديه إلى الحق .