التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{وَمَا جَعَلۡنَا لِبَشَرٖ مِّن قَبۡلِكَ ٱلۡخُلۡدَۖ أَفَإِيْن مِّتَّ فَهُمُ ٱلۡخَٰلِدُونَ} (34)

ثم بين - سبحانه - أن مصير البشر جميعا إلى الفناء ، وأن كل نفس ذائقة الموت ، وأن من طبيعة الإنسان تعجل الأمور قبل أوانها ، وأن المشركين لو علموا المصير السىء الذى ينتظرهم يوم القيامة ، لما قالوا ما قالوه من باطل ، ولما فعلوا ما فعلوه من قبائح ، قال - تعالى - : { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ . . . } .

قال القرطبى : قوله - تعالى - : { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الخلد } أى دوام البقاء فى الدنيا .

نزلت حين قالوا : نتربص بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ريب المنون . وذلك أن المشركين كانوا يدفعون نبوته ويقولون : شاعر نتربص به ريب المنون ، ولعله يموت كما مات شاعر بنى فلان ، فقال الله - تعالى - : قد مات الأنبياء قبلك يا محمد ، وتولى الله دينه بالنصر والحياطة ، فهكذا نحفظ دينك وشرعك . . .

والاستفهام فى قوله - سبحانه - : { أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ الخالدون } للانكار والنفى . . .

والمعنى : وما جعلنا - أيها الرسول الكريم - لبشر من قبلك - كائنا من كان - الخلود فى هذه الحياة ، وأنت إن مت فهم - أيضا - سيموتون فى الوقت الذى حدده الله - تعالى - لانقضاء عمرك وأعمارهم ، وما دام الأمر كذلك فذرهم فى جهالتهم يعمهون ، ولا تلتفت إلى شماتتهم فيك ، أو إلى تربصهم بك ، فإنك ميت وإنهم ميتون ، وكل شىء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون ، ورحم الله الإمام الشافعى حيث يقول :

تمنى أناس أن أموت . - وإن أمت . . . فتلك سبيل لست فيها بأوحد

فقل للذى يبغى خلاف الذى مضى . . . تهيأ لأخرى مثلها ، وكأن قد

وقال شاعر آخر :

إذا ما الدهر جر على أناس . . . كلاكِلُه أناخ بآخرينا

فقل للشامتين بنا أفيقوا . . . سيلقى الشامتون كما لقينا