الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَجَٰهِدُواْ فِي ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِۦۚ هُوَ ٱجۡتَبَىٰكُمۡ وَمَا جَعَلَ عَلَيۡكُمۡ فِي ٱلدِّينِ مِنۡ حَرَجٖۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمۡ إِبۡرَٰهِيمَۚ هُوَ سَمَّىٰكُمُ ٱلۡمُسۡلِمِينَ مِن قَبۡلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيۡكُمۡ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِۚ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱعۡتَصِمُواْ بِٱللَّهِ هُوَ مَوۡلَىٰكُمۡۖ فَنِعۡمَ ٱلۡمَوۡلَىٰ وَنِعۡمَ ٱلنَّصِيرُ} (78)

وقوله سبحانه : { وجاهدوا فِي الله حَقَّ جهاده } [ الحج : 78 ] .

قالت فرقة : الآية في قتال الكُفَّارِ ، وقالت فرقة : بل هي أَعَمُّ من هذا ، وهو جهاد النفس ، وجهادُ الكفار والظَّلَمَةِ ، وغيرِ ذلك ، أمر اللَّه عباده بأَنْ يفعلوا ذلك في ذات اللّه حَقَّ فعله .

قال ( ع ) : والعموم أحسن ، وبَيِّنٌ أَنَّ عُرْفَ اللفظة يقتضي القتال في سبيل اللّه .

وقوله : { هُوَ اجتباكم } أي : تخيَّرَكم ، { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدين مِنْ حَرَجٍ } أي : من تضييقٍ ، وذلك أَنَّ المِلَّةَ حنيفية سَمْحَةٌ ، ليست كشدائد بني إسرائيل وغيرهم ، بل فيها التوبة والكَفَّارَاتُ ، والرُّخَصُ ، ونحو . هذا مِمَّا يكثر عَدُّهُ ، ورفع الحرج عن هذه الأمة لمن استقام منهم على منهاج الشرع ، وأَمَّا السُّلابة والسُّرَّاقُ وأصحابُ الحدود فهم أَدخلوا الحَرَجَ على أنفسهم بمفارقتهم الدِّين ، وليس في الدِّين أَشَدُّ من إلزام رجل لاثنين في سبيل اللّه ، ومع صحة اليقين ، وجودة العزم ليس بِحَرَج و{ مِّلَّةَ } نُصِبَ بفعل مُضْمَرٍ من أفعال الإغراء .

وقوله : { هُوَ سماكم المسلمين } قال ابن زيد : الضمير ل{ إبراهيم } عليه السلام والإشارة إلى قوله : { وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ } [ البقرة : 128 ] ، وقال ابن عباس ، وقتادة ، ومجاهد : الضمير للَّه عز وجل : و{ مِن قَبْلُ } معناه : في الكتب القديمة ، { وَفِي هذا } أي : في القرآن ، وهذه اللفظة تُضْعِفُ قولَ مَنْ قال : الضمير لإبراهيم عليه السلام ، ولا يتوجه إلاَّ على تقدير محذوف من الكلام مستأنف .

قال ( ص ) : { هو } قيل : يعود على اللّه تعالى ، وقيل : على إبراهيم ، وعلى هذا فيكون : { وَفِي هذا } : القرآن ، أي : وسميتم بسببه فيه ، انتهى .

وقوله سبحانه : { لِيَكُونَ الرسول شَهِيداً عَلَيْكُمْ } [ الحج : 78 ] أي : بالتبليغ .

وقوله : { وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى الناس } أي : بتبليغ رسلهم إليهم على ما أخبركم نَبِيُّكم ، ثم أمر سبحانه بالصلاة المفروضة أَنْ تُقَامَ ويُدَامَ عليها بجميع حدودها ، وبالزكاة أَنْ تُؤَدَّى ، ثم أمر سبحانه بالاعتصام به ، أي : بالتعلُّق به والخلوص له وطَلَبِ النجاة منه ، ورَفْضِ التَوَكُّلِ على سواه .

وقوله سبحانه : { هُوَ مولاكم فَنِعْمَ المولى وَنِعْمَ النصير } المولى : في هذه الآية معناه : الذي يليكم نصره وحفظه ، وباقي الآية بيّن .