الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَقَالُواْ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي صَدَقَنَا وَعۡدَهُۥ وَأَوۡرَثَنَا ٱلۡأَرۡضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلۡجَنَّةِ حَيۡثُ نَشَآءُۖ فَنِعۡمَ أَجۡرُ ٱلۡعَٰمِلِينَ} (74)

{ وَأَوْرَثَنَا الأرض } يُريدُ : أرْضَ الجَنَّةِ ، و{ نَتَبَوَّأُ } معناه : نتخذ أَمْكِنَةٌ ومَسَاكِنَ ، ثم وَصَفَ تعالى حَالَةَ الملائِكَةِ مِنَ العَرْشِ وَحُفُوفَهُمْ به والحفُوفُ الإحْدَاقُ بالشَّيْءِ ، وهذه اللفظة مأخوذةٌ من الحِفَافِ ، وهو الجانبُ .

قال ابن المبارِك في «رقائقه » : أخبرنا مَعْمَرٌ عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضَمْرَةَ عن علي ؛ أنه تلا هذه الآية : { وَسِيقَ الذين اتقوا رَبَّهُمْ إِلَى الجنة زُمَراً حتى إِذَا جَاءُوهَا } قال : وَجَدُوا عِنْدَ بَابِ الجَنَّةِ شَجَرَةً يخرجُ مِنْ ساقها عَيْنَانِ ، فَعَمَدُوا إلى إحداهما كأنما أمروا بها ، فاغْتَسَلُوا بها ، فَلَمْ تَشْعَثْ رُؤُوسُهم بَعْدَها أبداً ، ولم تَتَغَيَّرْ جُلُودُهُمْ بَعْدَهَا أبداً كأنما دُهِنُوا بِالدُّهْنِ ، ثم عمدوا إلى الأخرى ، فَشَرِبُوا مِنْهَا ، فَطَهُرَتْ أجوافُهم ، وغَسَلَتْ كُلَّ قَذِرٍ فيها ، وَتَتَلَقَّاهُمْ على كلِّ بَابٍ مِنْ أبوابِ الجَنَّةِ ملائكةٌ : { سلام عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فادخلوها خالدين } ، ثم تتلقَّاهم الوِلْدَانُ يُطِيفُونَ بهم كما يُطِيفُ وِلْدَانُ الدُّنْيا بالحَمِيمِ ، يجيءُ من الغَيْبَةِ يقولونَ : أَبْشِرْ ، أَعَدَّ اللَّهُ لَكَ كَذَا وَكَذَا ، وأَعَدَّ اللَّهُ لَكَ كَذَا ، ثم يَذْهَبُ الغُلاَمُ مِنْهُمْ إلى الزَّوْجَةِ مِنْ أزْوَاجِهِ ، فيقولُ : قَدْ جَاءَ فُلاَنٌ باسمه الَّذِي كَانَ يَدَّعِي به في الدنيا ، فَتَقُولُ لَهُ : أَنْتَ رَأَيْتَهُ فَيَسْتَخِفُّها الفَرَحُ حتى تَقُومَ على أُسْكُفَّةِ بَابِها ، ثم ترجِعُ ، فيجيءُ ، فَيَنْظُرُ إلى تَأْسِيسِ بنيانِهِ من جَنْدَلِ اللؤلؤ أخضَرَ وأصْفَر وأحْمَر ؛ مِنْ كُلِّ لَوْنٍ ثم يجلسُ فينظُرُ ؛ فإذا زَرَابِيُّ مبثُوثَةٌ ، وأكوابٌ موضوعَةٌ ، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ فَلَوْلاَ أَنَّ اللَّهَ قَدَّرَ ذَلِكَ ، لأَذْهَبَ بَصَرَهُ إنَّما هُوَ مِثْلُ البَرْقِ ؛ ثم يقول : الحمدُ لِلَّهِ الذِي هَدَانَا لِهذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاَ أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ، انتهى .