الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا مَن شَآءَ ٱللَّهُۖ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخۡرَىٰ فَإِذَا هُمۡ قِيَامٞ يَنظُرُونَ} (68)

و{ فَصَعِقَ } في هذه الآية ، معناه : خَرَّ مَيِّتاً ، والصُّورُ : القَرنُ ، ولا يُتَصَوَّرُ هنا غَيْرُ هذا ، ومَنْ يَقُولُ : { الصور } جمع صُورَةٍ ، فإنما يَتَوجَّهُ قولهُ فِي نَفْخَةِ البَعْثِ ، وقد تَقَدَّمَ بَيَانُ نَظِيرِ هذه الآيةِ في غَيْرِ هذا المَوْضِعِ .

وقوله تعالى : { ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أخرى } هي نفخةُ البَعْثِ ، وفي الحديث : ( إنَّ بَيْن النَّفْخَتَيْنِ أربعين لاَ يَدْرِي أبو هريرةَ سَنَةً أو شَهْراً أَوْ يَوْماً أَوْ سَاعَةً ) ، ( ت ) : ولفظُ مُسْلِمٍ : عن أبي هريرةَ قال : قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : " مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ ، قَالُوا : يَا أَبا هُرَيْرَةَ : أَرْبَعُونَ سَنَةً ؟ قَالَ : أَبَيْتُ قَالُوا : أَرْبَعُونَ شَهْراً ؟ قَالَ : أَبَيْتُ ، قَالُوا : أَربَعُونَ يَوماً ؟ قالَ : أَبَيْتُ " الحَدِيثَ ، قال صَاحِبُ «التَّذْكِرَةِ » : فقيل : معنى قوله : ( أَبَيْتُ ) أي : امتنعت من بَيَانِ ذلك ؛ إذْ ليس هو مِمَّا تَدْعُو إليه حاجةٌ ، وعلى هذا كانَ عِنده عِلْمُ ذلك ، وقيل : المعنى : أَبَيْتُ أَنْ أَسْأَلَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذلك ، وعلى هذا : فلاَ عِلْمَ عِنْدَهُ ، والأَوَّلُ أظْهَرُ ، وقد جاء : ( إَنَّ مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعِينَ عَاماً ) انتهى . وقد تَقَدَّمَ أنَّ الصحيحَ في المستثنى في الآيةِ أَنَّهُمُ الشُّهَدَاءُ قَال الشيخُ أبو محمَّدِ بْنُ بُزَيزَةَ في شرح «الأحكام الصغرى » لعبد الحَقِّ : الذي تلقيناه من شيوخنا المحققين أن العَوالِمَ التي لاَ تفنى سَبْعَةٌ : العَرْشُ ، والكُرْسِيُّ ، واللَّوْحُ ، والقلم ، والجَنَّةُ ، والنَّارُ ، والأَرْوَاحُ . انتهى .