اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَقَالُواْ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي صَدَقَنَا وَعۡدَهُۥ وَأَوۡرَثَنَا ٱلۡأَرۡضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلۡجَنَّةِ حَيۡثُ نَشَآءُۖ فَنِعۡمَ أَجۡرُ ٱلۡعَٰمِلِينَ} (74)

فعند ذلك يقول المتقون : الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض أي أرض الجنة وهو قوله تعالى : { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور مِن بَعْدِ الذكر أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصالحون } [ الأنبياء : 105 ] .

قوله : «نَتَبَوَّأُ » جملة حالية و «حَيْثُ » مفعول به{[47805]} ، ويجوز أن تكون ظرفاً على بابها ، وهو الظاهر{[47806]} ، قال ابن الخطيب : إنما عبر عن أرض الجنة بالأرض لوجوه :

الأول : أن الجنة كانت في أول الأمر لآدم- عليه ( الصلاة و ) السلام- لأنه تعالى قال : { وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا } [ البقرة : 35 ] فلما عادت الجنة إلى أولاد آدم كان ذلك سبباً للإرث .

الثاني : أن هذا اللفظ مأخوذ من قول القائل : هذا الذي{[47807]} أورث كذا وهذا العمل أورث كذا . فلما كانت طاعاتهم قد أفادتهم الجنة لا جَرَمَ قالوا : وأورثنا الأرض ، والمعنى أن الله تعالى أورثنا الجنة بأن وفقنا للإتيان بأعمال أَوْرَثتِ الجَنَّةَ .

الثالث : أن الوارث يتصرف فيما يرثه كيف يشاء من غير منازع فكذلك المؤمنون المتقون يتصرفون في الجنة حين شاءوا وأرادوا .

فإن قيل : هل يتبوأ أحدهم مكان غيره ؟ .

فالجواب : يكون لكل واحد منهم جنة لا يحتاج معها إلى جنة غيره .

ثم قال تعالى : { فَنِعْمَ أَجْرُ العاملين } أي ثواب المطيعين ، قال مقاتل : هذا ليس من كلام أهل الجنة بل الله تعالى لما حكى ما جرى بين الملائكة وبين المتقين من صفة ثواب أهل الجنة قال بعده : { فَنِعْمَ أَجْرُ العاملين }{[47808]} .


[47805]:قاله في الدر المصون 4/669 والتبيان 1114.
[47806]:الدر المصون السابق.
[47807]:في ب هذا القول.
[47808]:وانظر الرازي 27/20 و 21.