وقوله سبحانه : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أسرى } [ الأنفال : 67 ] . قال ( ع ) : هذه آية تتضمَّن عندي معاتَبةً مِنَ اللَّه عزَّ وجلَّ لأصحاب نبيِّه عليه السلام والمعنى : ما كان ينبغي لكُمْ أَنْ تفعلوا هذا الفعْلَ الذي أوْجَبَ أن يكون للنبيِّ أَسْرَى قبل الإِثخان ؛ ولذلك استمرَّ الخطابُ لهم ب{ تُرِيدُونَ } ، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم لم يأمر باستبقاء الرِّجَالِ وقْتَ الحَرْبِ ، ولا أراد صلى الله عليه وسلم قَطُّ { عَرَضَ الدنيا } ، وإِنما فعله جمهورُ مُبَاشِرِي الحَرْبِ ، وجاء ذكْرُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في الآية ؛ مشيراً إِلى دخوله عليه السلام في العَتْبِ ؛ حين لم يَنْهَ عن ذلك حين رآه من العَرِيشِ ، وأنْكَره سعْدُ بْنُ مُعَاذٍ ، ولكَنَّه صلى الله عليه وسلم شَغَلَهُ بَغْتُ الأمر ، وظهورُ النصر ؛ عن النهْي ومَرَّ كثيرٌ من المفسِّرين ؛ على أنَّ هذا التوبيخَ إنما كان بسبب إشارة مَنْ أشار على النبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ بأخذ الفدْيَةِ ، حين استشارهم في شأن الأَسرَى ، والتأويل الأول أَحْسَنُ ، والإِثخانُ : هو المبالغةُ في القَتْل والجراحةِ ، ثم أمر مخاطبة أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : { تُرِيدُونَ عَرَضَ الدنيا } ، أي : مالها الذي يعز وَيَعْرِضُ ، والمراد : ما أُخِذَ من الأسرى من الأموال ، { والله يُرِيدُ الأخرة } ، أيْ : عمل الآخرة ، وذكَر الطبريُّ وغيره ؛ أن رسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلنَّاس : ( إِنْ شِئْتُمْ ، أَخَذْتُمْ فِدَاءَ الأسرى ، وَيُقْتَلُ مِنْكُمْ في الحَرْبِ سَبْعُونَ على عَدَدِهِمْ ، وإِنْ شِئْتُمْ ، قُتِلُوا وَسَلِمْتُمْ ) فَقَالُوا : نَأْخُذُ المَالَ ، وَيُسْتَشْهَدُ مِنَّا ، وذكر عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ بسنده ؛ أَنَّ جبريلَ نَزَلَ عَلَى النبيِّ صلى الله عليه وسلم بتخْيِيرِ النَّاسِ هكذا ؛ وعَلَى هذا ، فالأمر في هذا التخيير مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، فإِنه إِعلامٌ بغيب ، وإِذا خُيِّروا رضي اللَّه عنهم ، فكيف يقع التوبيخُ بعدُ بقوله تعالى : { لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [ الأنفال : 68 ] فهذا يدُّلك على صحَّة ما قدَّمناه ، أنَّ العتب لهم إِنما هو على استبقاءِ الرجالِ وقْتَ الهزيمةِ ؛ رغبةً في أخْذ المال ، وهو الذي أقولُ به ، وذكر المفسِّرون أيضاً في هذه الآيات تحليلَ المَغَانِمِ ، ولا أَقولُ ذلك ؛ لأن تحليل المغانم قد تقدَّم قبْل بَدْرٍ في السَّرِيَّة التي قُتِلَ فيها ابْنُ الحَضْرَمِيِّ ، وإِنما المُبْتَدَعُ في بَدْرٍ استبقاء الرِّجَال ؛ لأجل المال ، والذي مَنَّ اللَّه به فيها : إِلحاق فدية الكافر بالمغانمِ التي تقدَّم تحليلها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.