قوله تعالى : " هو الذي يصلي عليكم " قال ابن عباس : لما نزل " إن الله وملائكته يصلون على النبي " [ الأحزاب : 56 ] قال المهاجرون والأنصار : هذا لك يا رسول الله خاصة ، وليس لنا فيه شيء ، فأنزل الله تعالى هذه الآية .
قلت : وهذه نعمة من الله تعالى على هذه الأمة من أكبر النعم ، ودليل على فضلها{[12847]} على سائر الأمم . وقد قال : " كنتم خير أمة أخرجت للناس " {[12848]} [ آل عمران : 110 ] . والصلاة من الله على العبد هي رحمته له وبركته لديه . وصلاة الملائكة : دعاؤهم للمؤمنين واستغفارهم لهم ، كما قال : " ويستغفرون للذين آمنوا " {[12849]} [ غافر : 7 ] وسيأتي . وفي الحديث : أن بني إسرائيل سألوا موسى عليه السلام : أيصلي ربك جل وعز ؟ فأعظم ذلك ، فأوحى الله جل وعز : " إن صلاتي بأن رحمتي سبقت غضبي " ذكره النحاس . وقال ابن عطية : وروت فرقة أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له : يا رسول الله ، كيف صلاة الله على عباده . قال : ( سبوح قدوس - رحمتي سبقت غضبي ) . واختلف في تأويل هذا القول ، فقيل : إنه كلمة من كلام الله تعالى وهي صلاته على عباده . وقيل سبوح قدوس من كلام{[12850]} محمد صلى الله عليه وسلم وقدمه بين يدي نطقه باللفظ الذي هو صلاة الله وهو ( رحمتي سبقت غضبي ) من حيث فهم من السائل أنه توهم في صلاة الله على عباده وجها لا يليق بالله عز وجل ، فقدم التنزيه والتعظيم بين يدي إخباره . " ليخرجكم من الظلمات إلى النور " أي من الضلالة إلى الهدى . ومعنى هذا التثبيت على الهداية ؛ لأنهم كانوا في وقت الخطاب على الهداية . " وكان بالمؤمنين رحيما " أخبر تعالى برحمته بالمؤمنين تأنيسا لهم فقال : " وكان بالمؤمنين رحيما " .
ولما كان ثبوت النبوة بينه وبين أحد من{[55737]} الرجال خارماً لإحاطة العلم ، وجب تنزيهه سبحانه عن ذلك فقال : { وسبحوه } أي{[55738]} عن أن يكون شيء على خلاف ما أخبر{[55739]} به ، وعن كل صفة نقص بعد ما أثبتم له {[55740]}كل صفة{[55741]} كمال { بكرة وأصيلاً * } أي في أول النهار وآخره أي دائماً لأن هذين الوقتين إما للشغل الشاغل ابتداء أو انتهاء أو{[55742]} للراحة ، فوجوب الذكر فيهما وجوب له في غيرهما من باب الأولى ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : لم يفرض الله على عباده فريضة إلا جعل لها حداً معلوماً ، تم عذر أهلها في حال العذر غير الذكر فإنه تعالى لم يجعل له حداً ينتهي إليه ، ولم يعذر{[55743]} أحداً في تركه إلا مغلوباً على عقله . وهما أيضاً مشهودان بالملائكة ودالان على الساعة : الثاني قربها بزوال الدنيا كلها ، والأول على البعث بعد الموت ، ويجوز أن يكون ذلك إشارة إلى صلاتي الصبح والعصر ، لأن المواظبة عليهما - لما أشير إليه من صعوبتهما بما يعتري في وقتيهما من الشغل بالراحة و{[55744]} غيرها - دالة على غاية المحبة للمثول{[55745]} بالحضرات الربانية حاملة على المواظبة على غيرهما من الصلوات وجميع الطاعات بطريق الأولى ، ويؤكد هذا الثاني تعبيره بلفظ الصلاة في تعليل ذلك بدوام ذكره لنا سبحانه بقوله : { هو الذي يصلي عليكم } أي بصفة الرحمانية متحنناً ، لأن المصلي منا يتعطف{[55746]} في الأركان { وملائكته } أي كلهم بالاستغفار لكم وحفظكم من كثير من المعاصي والآفات ويتردد بعضهم بينه سبحانه وبين الأنبياء بما ينزل إليهم من الذكر الحافظ من كل سوء فقد اشتركت الصلاتان في إظهار شرف المخاطبين .
ولما كان فعل الملائكة منسوباً إليه{[55747]} لأنه مع كونه الخالق له الآمر به قال : { ليخرجكم } أي بذلك { من الظلمات } أي{[55748]} الكائنة من الجهل الموجب للضلال{[55749]} { إلى النور } أي{[55750]} الناشىء من العلم المثمر للهدى ، فيخرج بعضكم بالفعل من ظلمات المعاصي المقتضية للرين على القلب إلى نور الطاعات ، فتكونوا بذلك مؤمنين { وكان } أي ازلاً وأبداً { بالمؤمنين } أي الذين صار الإيمان لهم ثابتاً خاصة{[55751]} { رحيماً * } أي بليغ الرحمة يتوفيقهم لفعل ما ترضاه الإلهية ، فإنهم{[55752]} أهل خاصته فيحملهم{[55753]} على الإخلاص في الطاعات ، فيرفع لهم{[55754]} الدرجات في روضات الجنات .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.