الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{أَلَآ إِنَّهُمۡ يَثۡنُونَ صُدُورَهُمۡ لِيَسۡتَخۡفُواْ مِنۡهُۚ أَلَا حِينَ يَسۡتَغۡشُونَ ثِيَابَهُمۡ يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (5)

{ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ } يزورّون عن الحق وينحرفون عنه ؛ لأن من أقبل على الشيء استقبله بصدره ، ومن ازورّ عنه وانحرف ثنى عنه صدره وطوى عنه كشحه { لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ } يعني : ويريدون ليستخفوا من الله ، فلا يطلع رسوله والمؤمنين على ازورارهم . ونظير إضمار يريدون - لقود المعنى إلى إضماره - الإضمار في قوله تعالى : { اضرب بّعَصَاكَ البحر فانفلق } [ الشعراء : 63 ] معناه فضرب فانفلق . ومعنى { أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ } ويزيدون الاستخفاء حين يستغشون ثيابهم أيضاً ، كراهة لاستماع كلام الله تعالى : كقول نوح عليه السلام : { جَعَلُواْ أصابعهم فِى ءاذانهم واستغشوا ثِيَابَهُمْ } [ نوح : 7 ] ثم قال : { يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } يعني أنه لا تفاوت في علمه بين إسرارهم وإعلانهم ، فلا وجه لتوصلهم إلى ما يريدون من الاستخفاء ، والله مطلع على ثنيهم صدورهم واستغشائهم ثيابهم ، ونفاقهم غير نافق عنده . روي أنها نزلت في الأخنس بن شريق وكان يظهر لرسول الله صلى الله عليه وسلم المحبة وله منطق حلو وحسن سياق للحديث ، فكان يعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم مجالسته ومحادثته ، وهو يضمر خلاف ما يظهر . وقيل : نزلت في المنافقين . وقرئ : «تثنوني صدورهم » ، «واثنونى » من الثني ، كاحلولى من الحلاوة ، وهو بناء مبالغة ، قرىء بالتاء والياء . وعن ابن عباس لتثنوني . وقرئ تثنونّ وأصله تثنونن «تفعوعل » من الثن وهو ما هش وضعف من الكلأ ، يريد : مطاوعة صدورهم للثني ، كما ينثني الهش من النبات . أو أراد ضعف إيمانهم ومرض قلوبهم . وقرئ : «تثنئن » من اثنأن «افعال » منه ، ثم همز كما قيل : ابيأضت ، وادهأمت وقرئ : «تثنوي » بوزن ترعوي .