الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{أَمِ ٱتَّخَذُوٓاْ ءَالِهَةٗ مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ هُمۡ يُنشِرُونَ} (21)

هذه أم المنقطة الكائنة بمعنى بل والهمزة ، قد آذنت بالإضراب عما قبلها والإنكار لما بعدها ، والمنكر : هو اتخاذهم { ءَالِهَةً مّنَ الأرض هُمْ يُنشِرُونَ } الموتى ، ولعمري أن من أعظم المنكرات أن ينشر الموتى بعض الموات .

فإن قلت : كيف أنكر عليهم اتخاذ آلهة تنشر وما كانوا يدعون ذلك لآلهتهم ؟ وكيف وهم أبعد شيء عن هذه الدعوى وذلك أنهم كانوا - مع إقرارهم لله عزّ وجل بأنه خالق السموات والأرض { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض لَيَقُولُنَّ الله } [ لقمان : 25 ] وبأنه القادر على المقدورات كلها وعلى النشأة الأولى - منكرين البعث ويقولون : من يحيى العظام وهي رميم ، وكان عندهم من قبيل المحال الخارج عن قدرة القادر كثاني القديم ، فكيف يدّعونه للجماد الذي لا يوصف بالقدرة رأساً ؟ قلت : الأمر كما ذكرت ، ولكنهم بادّعائهم لها الإلهية ، يلزمهم أن يدّعوا لها الإنشار ، لأنه لا يستحق هذا الاسم إلا القادر على كل مقدور ، والإنشار من جملة المقدورات . وفيه باب من التهكم بهم والتوبيخ والتجهيل ، وإشعار بأنّ ما استبعدوه من الله لا يصح استبعاده ؛ لأنّ الإلهية لما صحت صحّ معها الاقتدار على الإبداء والإعادة . ونحو قوله : { مِّنَ الأرض } قولك : فلان من مكة أو من المدينة ، تريد : مكي أو مدني . ومعنى نسبتها إلى الأرض : الإيذان بأنها الأصنام التي تعبد في الأرض : لأنّ الآلهة على ضربين : أرضية وسماوية . ومن ذلك حديث الأمة التي قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أين ربك » ؟ فأشارت إلى السماء ، فقال : « إنها مؤمنة » لأنه فهم منها أنّ مرادها نفي الآلهة الأرضية التي هي الأصنام ، لا إثبات السماء مكاناً لله عزّ وجلَ . ويجوز أن يراد آلهة من جنس الأرض ؛ لأنها إمّا أن تنحت من بعض الحجارة ، أو تعمل من بعض جواهر الأرض .

فإن قلت : لا بدّ من نكتة في قوله : { هُمْ } قلت : النكتة فيه إفادة معنى الخصوصية ، كأنه قيل : أم اتخذوا آلهة لا يقدر على الإنشار إلا هم وحدهم . وقرأ الحسن { يُنشِرُونَ } وهما لغتان : أنشر الله الموتى ، ونشرها . [ ( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون ) ] وصفت آلهة بالإ كما توصف بغير ، لو قيل آلهة غير الله .