السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{أَمِ ٱتَّخَذُوٓاْ ءَالِهَةٗ مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ هُمۡ يُنشِرُونَ} (21)

ولما كانوا عند هذا البيان جديرين بأن يبادروا إلى التوحيد ، فلم يفعلوا كانوا حقيقين بعد الإعراض عنهم بالتوبيخ والتهكم والتعنيف ، فقال تعالى : { أم اتخذوا } أي : بل اتخذوا ، فأم بمعنى بل للانتقال والهمزة لإنكار اتخاذهم { آلهة من الأرض } ومعنى نسبتها إلى الإيذان بأنها الأصنام التي تعبد في الأرض ؛ لأن الآلهة على ضربين ؛ أرضية وسماوية ، ومن ذلك حديث الأمة التي قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم «أين ربك ؟ فأشارت إلى السماء ، فقال : إنها مؤمنة » ؛ لأنه فهم منها أن مرادها نفي الآلهة الأرضية التي هي الأصنام لا إثبات أن السماء مكان الله تعالى ، ويجوز أن يراد آلهة من جنس الأرض ؛ لأنها إما أن تنحت من بعض الحجارة أو تعمل من بعض جواهر الأرض { هم ينشرون } أي : يحيون الموتى لا يقدرون على ذلك ، وهم وإن لم يصرّحوا بذلك لزم من ادعائهم لها آلهة أنهم يقدرون على ذلك ، فإنّ من لوازمها الاقتدار على جميع الممكنات ، فالمراد به تجهيلهم والتهكم بهم ، وللمبالغة في ذلك زيد الضمير الموهم لاختصاص الانتشار بهم .