اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَمِ ٱتَّخَذُوٓاْ ءَالِهَةٗ مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ هُمۡ يُنشِرُونَ} (21)

قوله تعالى : «أمِ اتَّخَذُوا » هذه «أَمْ » المنقطعة ، فتقدر ب ( بل ) التي لإضراب الانتقال وبالهمزة التي معناها الإنكار{[28021]} . و «اتخذ » يجوز أن يكون بمعنى ( صنع ) فيتعلق «مِنْ » به{[28022]} وجوَّز أبو حيَّان أن يكون بمعنى ( صَيَّر ) التي في قوله { واتخذ الله إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً }{[28023]} ، فقال : وفيه معنى الاصطفاء والاختيار{[28024]} . و «مِنَ الأرْضِ » يجوز أن يتعلق بالاتخاذ كما تقدم ، وأن يتعلق بمحذوف على أنها نعت ل «آلهة » أي من جنس الأرض{[28025]} .

قوله : «هُمْ يُنْشِرون » جملة في محل نصب صفة ل " آلهة " . وقرأ العامة " يُنشرون " بضم حرف المضارعة من أنشر{[28026]} . وقرأ الحسن بفتحها وضم الشين{[28027]} يقال : أنشر الله الموتى فنشروا . ونشر لا يكون لزماً ومتعدياً{[28028]} . قوله{[28029]} : { أَمِ اتخذوا آلِهَةً } استفهام بمعنى الجحد أي{[28030]} لم يتخذوا من الأرض يعني : الأصنام من الأرض والحجارة ، وهما من الأرض ، والمنكر بعد اتخاذهم آلهة من الأرض ينشرون الموتى . فإن قيل : كيف أنكر{[28031]} عليهم اتخاذ آلهة تنشر ، وما كانوا يدعون ذلك لآلهتهم بل كانوا في نهاية البعد عن هذه الدعوى ، فإنهم كانوا مع إقرارهم بالله وأنه خالق السموات والأرض منكرين للبعث ، ويقولون : { مَن يُحيِي العظام وَهِيَ رَمِيمٌ }{[28032]} فكيف يدعون ذلك للجماد الذي لا يوصف بالقدرة البتة ؟ فالجواب : أنهم لما اشتغلوا بعبادتها ، ولا بد للعبادة من فائدة ، وهي الثواب ، فإقدامهم على عبادتهم يوجب إقرارهم بكونهم قادرين على الحشر والنشر والثواب والعقاب ، فذكر ذلك على سبيل التهكم بهم ، والمعنى : إذا لم يكونوا قادرين على أن يُحْيوا أو يميتوا ويضروا وينفعوا فأي عقل يجوز اتخاذهم آلهة{[28033]} .

وقوله : «مِنَ الأرْضِ » كقولك : فلان من مكة أو من المدينة{[28034]} . وقوله : «هم » يفيد معنى الخصوصية كأنه قيل : أن اتخذوا آلهة لا يقدرون على الإنشار إلا هم وحدهم{[28035]} .


[28021]:(أم) المنقطعة هي المسبوقة بالخبر المحض نحو قوله تعالى: {تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العاملين أم يقولون افتراه} [السجدة: 2،3]. أو المسبوقة بهمزة لغير الاستفهام نحو قوله تعالى: {ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها} [الأعراف: 195]، إذ الهمزة في ذلك للإنكار. أو المسبوقة باستفهام بغير الهمزة نحو قوله: {هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور أم جعلوا لله شركاء} [الرعد: 16] ومعنى "أم" المنقطعة الذي لا يفارقها الإضراب ثم تارة تكون له مجردا نحو قوله تعالى: {هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور أم جعلوا لله شركاء} [الرعد: 16]. وتارة تتضمن مع ذلك استفهاما إنكاريا. نحو قوله تعالى: {أم له البنات ولكم البنون} [الطور: 39] وذلك كالآية التي تتعرض لها فإن "أم" فيها للإضراب الذي يتضمن استفهاما إنكاريا. والإضراب هنا للانتقال من غرض إلى غرض فالكلام من أول السورة إلى ههنا كان في النبوات وما يتصل بها من الكلام سؤالا وجوابا وأما هذه الآيات فإنها في بيان التوحيد ونفي الأضداد والأنداد وتارة تتضمن مع ذلك استفهاما طلبيا نحو قولهم: إنها الإبل أم شاء، التقدير: بل هي شاء. انظر المغني 1/44- 45.
[28022]:انظر البحر المحيط 6/304.
[28023]:[النساء: 125].
[28024]:البحر المحيط 6/304.
[28025]:انظر التبيان 2/914، البحر المحيط 6/304.
[28026]:والمعنى: أم اتخذوا آلهة يحيون الموتى. معاني القرآن وإعرابه للزجاج 3/388. القرطبي 11/278. والبحر المحيط 6/304.
[28027]:مضارع نشر، وأنشر ونشر لغتان، والمعنى على هذه القراءة: أم اتخذوا آلهة لا يموتون يحيون أبدا. معاني القرآن وإعرابه للزجاج 3/388، البحر المحيط 6/304.
[28028]:انظر البحر المحيط 6/304.
[28029]:في ب: فصل.
[28030]:أي: سقط من ب.
[28031]:في الأصل: أنكرا. وهو تحريف.
[28032]:من قوله تعالى: {وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم} [يس: 78].
[28033]:انظر الكشاف في 3/7، والفخر الرازي 22/150.
[28034]:أي: أن من للتبيين.
[28035]:انظر الكشاف في 3/7، الفخر الرازي 22/150.