الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{۞وَإِذَا وَقَعَ ٱلۡقَوۡلُ عَلَيۡهِمۡ أَخۡرَجۡنَا لَهُمۡ دَآبَّةٗ مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ تُكَلِّمُهُمۡ أَنَّ ٱلنَّاسَ كَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا لَا يُوقِنُونَ} (82)

سمى معنى القول ومؤداه بالقول ، وهو ما وعدوا من قيام الساعة والعذاب ، ووقوعه : حصوله . والمراد : مشارفة الساعة وظهور أشراطها وحين لا تنفع التوبة . ودابة الأرض : الجساسة . جاء في الحديث : أنَّ طولَها ستونَ ذراعاً ، لا يدركُها طالبٌ ، ولا يفوتُها هاربٌ . وروي : لها أربعٌ قوائمٌ وزغبٌ وريشٌ وجناحان وعن ابن جريج في وصفها : رأس ثور ، وعين خنزير ، وأذن فيل ، وقرن إبل ، وعنق نعامة ، وصدر أسد ، ولون نمر ، وخاصرة هرّ ، وذنب كبش ، وخف بعير . وما بين المفصلين : اثنا عشر ذراعاً بذراع آدم عليه السلام . وروي : لا تخرج إلا رأسها ، ورأسها يبلغ أعنان السماء ، أو يبلغ السحاب . وعن أبي هريرة : فيها من كل لون ، وما بين قرنيها فرسخ للراكب . وعن الحسن رضي الله عنه : لا يتم خروجها إلا بعد ثلاثة أيام . وعن علي رضي الله عنه : أنها تخرج ثلاثة أيام ، والناس ينظرون فلا يخرج إلا ثلثها . وعن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه سئل : من أين تخرج الدابة ؟ فقال : " من أعظم المساجدِ حرمةً على اللَّهِ " يعني المسجد الحرام . وروي : أنها تخرج ثلاث خرجات : تخرج بأقصى اليمن ثم تتمكن ، ثم تخرج بالبادية ثم تتكمن دهراً طويلاً ، فبينا الناس في أعظم المساجد حرمة وأكرمها على الله ، فما يهولهم إلا خروجها من بين الركن حذاء دار بني مخزوم عن يمين الخارج من المسجد ، فقوم يهربون وقوم يقفون نظارة . وقيل : تخرج من الصفا فتكلمهم بالعربية بلسان ذلق فتقول { أَنَّ الناس كَانُوا بئاياتنا لاَ يُوقِنُونَ } يعني أن الناس كانوا لا يوقنون بخروجي ؛ لأنّ خروجها من الآيات ، وتقول : ألا لعنة الله على الظالمين . وعن السدي : تكلمهم ببطلان الأديان كلها سوى دين الإسلام . وعن ابن عمرو رضي الله عنه : تستقبل المغرب فتصرخ صرخة تنفذه ، ثم تستقبل المشرق ، ثم الشام ثم اليمن فتفعل مثل ذلك . وروي : تخرج من أجياد . وروي : بينا عيسى عليه السلام يطوف بالبيت ومعه المسلمون ، إذ تضطرب الأرض تحتهم [ حتى ] تحرك القنديل ، وينشق الصفا مما يلي المسعى ، فتخرج الدابة من الصفا ومعها عصا موسى وخاتم سليمان ، فتضرب المؤمن في مسجده ، أو فيما بين عينيه بعصا موسى عليه السلام ، فتنكت نكتة بيضاء فتفشو تلك النكتة في وجهه حتى يضيء لها وجهه أو فتترك وجهه كأنه كوكب درّي ، وتكتب بين عينيه : مؤمن : وتنكت الكافر بالخاتم في أنفه ، فتفشو النكتة حتى يسودّ لها وجهه وتكتب بين عينيه : كافر . وروي : فتجلو وجه المؤمن بالعصا وتحطم أنف الكافر بالخاتم ، ثم تقول لهم : يا فلان ، أنت من أهل الجنة . ويا فلان ، أنت من أهل النار . وقرىء : «تكلمهم » من الكلم وهو الجرح .

والمراد به : الوسم بالعصا والخاتم . ويجوز أن يكون تكلمهم من الكلم أيضاً ، على معنى التكثير . يقال : فلان مكلم ، أي مجرّح . ويجوز أن يستدل بالتخفيف على أنّ المراد بالتكليم : التجريح ، كما فسر : لنحرقنه ، بقراءة عليّ رضي الله عنه : لنحرقنه ، وأن يستدل بقراءة أبيّ : تنبئهم . وبقراءة ابن مسعود : تكلمهم بأنّ الناس ، على أنه من الكلام . والقراءة بإن مكسورة : حكاية لقول الدابة ، إما لأنّ الكلام بمعنى القول . أو بإضمار القول ، أي : تقول الدابة ذلك . أو هي حكاية لقوله تعالى عند ذلك .

فإن قلت : إذا كانت حكاية لقول الدابة فكيف تقول بآياتنا قلت : قولها حكاية لقول الله تعالى . أو على معنى بآيات ربنا . أو لاختصاصها بالله وأثرتها عنده ، وأنها من خواص خلقه : أضافت آيات الله إلى نفسها ، كما يقول بعض خاصة الملك : خيلنا وبلادنا ، وإنما هي خيل مولاه وبلاده . ومن قرأ بالفتح فعلى حذف الجار ، أي : تكلمهم بأن .