الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{أَلَمۡ تَرَوۡاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَأَسۡبَغَ عَلَيۡكُمۡ نِعَمَهُۥ ظَٰهِرَةٗ وَبَاطِنَةٗۗ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَٰدِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَلَا هُدٗى وَلَا كِتَٰبٖ مُّنِيرٖ} (20)

{ مَا فِى السماوات } الشمس والقمر والنجوم والسحاب وغير ذلك { وَمَا فِى الأرض } البحار والأنهار والمعادن والدواب وما لا يحصى { وَأَسْبَغَ } وقرىء بالسين والصاد ، وهكذا كل سين اجتمع معه الغين والخاء والقاف ، تقول في سلخ ، صلخ ، وفي سقر : صقر ، وفي سالغ صالغ وقرىء : «نعمه » . «ونعمة » ، «ونعمته » .

فإن قلت : ما النعمة ؟ قلت : كل نفع قصد به الإحسان ، والله تعالى خلق العالم كله نعمة ؛ لأنه إما حيوان ، وإما غير حيوان . فما ليس بحيوان نعمة على الحيوان ، والحيوان نعمة من حيث أنّ إيجاده حياً نعمة عليه . لأنه لولا إيجاده حياً لما صح منه الانتفاع ، وكل ما أدى إلى الانتفاع وصححه فهو نعمة .

فإن قلت : لم كان خلق العالم مقصوداً به الإحسان ؟ قلت : لأنه لا يخلقه إلا لغرض ، وإلا كان عبثاً ، والعبث لا يجوز عليه ولا يجوز أن يكون لغرض راجع إليه من نفع ؛ لأنه غني غير محتاج إلى المنافع ، فلم يبق إلا أن يكون لغرض يرجع إلى الحيوان وهو نفعه .

فإن قلت : فما معنى الظاهرة والباطنة ؟ قلت : الظاهرة كل ما يعلم بالمشاهدة ، والباطنة ما لا يعلم إلا بدليل ، أو لا يعلم أصلاً ، فكم في بدن الإنسان من نعمة لا يعلمها ولا يهتدي إلى العلم بها ، وقد أكثروا في ذلك : فعن مجاهد : الظاهرة ظهور الإسلام والنصرة على الأعداء ، والباطنة : الأمداد من الملائكة . وعن الحسن رضي الله عنه : الظاهرة : الإسلام . والباطنة الستر . وعن الضحاك : الظاهرة : حسن الصورة ، وامتداد القامة . وتسوية الأعضاء . والباطنة : المعرفة . وقيل : الظاهرة البصر ، والسمع ، واللسان ، وسائر الجوارح الظاهرة . والباطنة : القلب ، والعقل ، والفهم ، وما أشبه ذلك . ويروى في دعاء موسى عليه السلام : إلهي ، دلني على أخفى نعمتك على عبادك ؛ فقال : أخفى نعمتي عليهم النفس . ويروى : أن أيسر ما يعذب به أهل النار : الأخذ بالأنفاس .