فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَجَعَلُواْ بَيۡنَهُۥ وَبَيۡنَ ٱلۡجِنَّةِ نَسَبٗاۚ وَلَقَدۡ عَلِمَتِ ٱلۡجِنَّةُ إِنَّهُمۡ لَمُحۡضَرُونَ} (158)

{ وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا } : التفات للغيبة للإيذان بانقطاعهم عن درجة الخطاب ، واقتضاء حالهم أن يعرض عنهم ، وتحكى جناياتهم للآخرين قال أكثر المفسرين : إن المراد بالجنة هنا الملائكة ، قيل لهم : جنة لأنهم لا يرون ، وقال مجاهد : هم بطن من بطون الملائكة يقال لهم : الجنة ، وقال أبو مالك : إنما قيل لهم الجنة لأنهم خزان على الجنان ، والنسب الصهر قال قتادة والكلبي : قالوا لعنهم الله إن الله صاهر الجن . فكانت الملائكة من أولادهم ، قالا : والقائل بهذه المقالة اليهود ، وقال مجاهد والسدي ومقاتل : إن القائل بذلك كنانة وخزاعة ، قالوا : إن الله خطب إلى سادات الجن فزوجوه من سروات بناتهم فالملائكة بنات الله من سروات بنات الجن ، وقال الحسن : أشركوا الشيطان في عبادة الله فهو النسب الذي جعلوه . وقال ابن عباس : زعم أعداء الله أنه تبارك وتعالى هو وإبليس أخوان ، ثم رد الله سبحانه عليهم بقوله :

{ وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ } : أي علموا أن هؤلاء الكفار الذين قالوا هذا القول يحضرون النار . ويعذبون فيها لكذبهم في قولهم ذلك ، والمراد به المبالغة في التكذيب ببيان أن الذين ادعى هؤلاء لهم تلك النسبة ، ويعلمون أنهم أعلم منهم بحقيقة الحال يكذبونهم في ذلك ، ويحكمون بأنهم معذبون لأجله حكما مؤبدا وقيل : علمت الجنة أنهم أنفسهم يحضرون للحساب والأول أولى لأن الإحضار إذا أطلق فالمراد به العذاب ، وقيل : المعنى ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون إلى الجنة ،