{ فَاطِرُ السماوات } قرىء بالرفع والجر ، فالرفع على أنه أحد أخبار ذلكم . أو خبر مبتدأ محذوف ، والجرّ على : فحكمه إلى الله فاطر السموات ، و { ذلكم } إلى { أُنِيبُ } اعتراض بين الصفة والموصوف { جَعَلَ لَكُم } خلق لكم { مِّنْ أَنفُسِكُمْ } من جنسكم من الناس { أزواجا وَمِنَ الأنعام أزواجا } أي : وخلق من الأنعام أزواجاً . ومعناه : وخلق للأنعام أيضاً من أنفسها أزواجاً { يَذْرَؤُكُمْ } يكثركم ، يقال : ذرأ الله الخلق : بثهم وكثرهم . والذر ، والذرو ، والذرء : أخوات { فِيهِ } في هذا التدبير ، وهو أن جعل للناس والأنعام أزواجاً ، حتى كان بين ذكورهم وإناثهم التوالد والتناسل . والضمير في { يَذْرَؤُكُمْ } يرجع إلى المخاطبين والأنعام ، مغلباً فيه المخاطبون العقلاء على الغيب مما لا يعقل ، وهي من الأحكام ذات العلتين ،
فإن قلت : ما معنى يذرؤكم في هذا التدبير ؟ وهلا قيل : يذرؤكم به ؟ قلت : جعل هذا التدبير كالمنبع والمعدن للبث والتكثير ؛ ألا تراك تقول : للحيوان في خلق الأزواج تكثير ، كما قال تعالى : { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حياة } [ البقرة : 179 ] قالوا : مثلك لا يبخل ، فنفوا البخل عن مثله ، وهم يريدون نفيه عن ذاته ، قصدوا المبالغة في ذلك فسلكوا به طريق الكناية ، لأنهم إذا نفوه عمن يسدّ مسدّه وعمن هو على أخص أوصافه ، فقد نفوه عنه . ونظيره قولك للعربي : العرب لا تخفر الذمم ، كان أبلغ من قولك : أنت لا تخفر . ومنه قولهم : قد أيفعت لداته وبلغت أترابه ، يريدون : إيفاعه وبلوغه . وفي حديث رقيقة بنت صيفي في سقيا عبد المطلب : ألا وفيهم الطيب الطاهر لداته والقصد إلى طهارته وطيبه ، فإذا علم أنه من باب الكناية لم يقع فرق بين قوله : ليس كالله شيء ، وبين قوله : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ } إلا ما تعطيه الكناية من فائدتها ، وكأنهما عبارتان معتقبتان على معنى واحد : وهو نفي المماثلة عن ذاته ، ونحوه قوله عز وجل : { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ } [ المائدة : 64 ] فإن معناه : بل هو جواد من غير تصوّر يد ولا بسط لها : لأنها وقعت عبارة عن الجود لا يقصدون شيئاً آخر ، حتى إنهم استعملوها فيمن لا يد له ، فكذلك استعمل هذا فيمن له مثل ومن لا مثل له ، ولك أن تزعم أنّ كلمة التشبيه كرّرت للتأكيد ، كما كرّرها من قال :
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.