الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَوۡمَۢا بِجَهَٰلَةٖ فَتُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَٰدِمِينَ} (6)

بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة أخا عثمان لأمّه وهو الذي ولاه عثمان الكوفة بعد سعد بن أبي وقاص ، فصلى بالناس وهو سكران صلاة الفجر أربعاً ، ثم قال : هل أزيدكم ، فعزله عثمان عنهم مصدّقاً إلى بني المصطلق ، وكانت بينه وبينهم إحنة ، فلما شارف ديارهم ركبوا مستقبلين له ، فحسبهم مقاتليه ، فرجع وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : قد ارتدوا ومنعوا الزكاة ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهمّ أن يغزوهم . فبلغ القوم فوردوا وقالوا : نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله ، فاتهمهم فقال : «لتنتهنّ أو لأبعثنّ إليكم رجلاً هو عندي كنفسي يقاتل مقاتلتكم ويسبي ذراريكم ، ثم ضرب بيده على كتف علي رضي الله عنه . وقيل : بعث إليهم خالد بن الوليد فوجدهم منادين بالصلوات متهجدين ، فسلموا إليه الصدقات ، فرجع . وفي تنكير الفاسق والنبأ : شياع في الفساق والأنباء ، كأنه قال : أيّ فاسق جاءكم بأيّ نبأ . فتوقفوا فيه وتطلبوا الأمر وانكشاف الحقيقة ، ولا تعتمدوا قول الفاسق «لأنّ من لا يتحامى جنس الفسوق لا يتحامى الكذب الذي هو نوع منه . والفسوق : الخروج من الشيء والانسلاخ منه . يقال : فسقت الرطبة عن قشرها . ومن مقلوبه : فقست البيضة ، إذا كسرتها وأخرجت ما فيها . ومن مقلوبه أيضاً : قفست الشيء إذا أخرجته عن يد مالكه مغتصباً له عليه ، ثم استعمل في الخروج عن القصد والانسلاخ من الحق . قال رؤبة :

فَوَاسِقاً عَنْ قَصْدِهَا جَوَائِرَا ***

وقرأ ابن مسعود : «فتثبتوا » والتثبت والتبين : متقاربان ، وهما طلب الثبات والبيان والتعرّف ، ولما كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم والذين معه بالمنزلة التي لا يجسر أحد أن يخبرهم بكذب ، وما كان يقع مثل ما فرط من الوليد إلا في الندرة . قيل : إن جاءكم بحرف الشك وفيه أنّ على المؤمنين أن يكونوا على هذه الصفة ، لئلا يطمع فاسق في مخاطبتهم بكلمة زور { ءانٍ } مفعول له ، أي : كراهة إصابتكم { تُصِيببُواْ قَوْمَا بِجَهَالَةٍ } حال ، كقوله تعالى : { وَرَدَّ الله الذين كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ } [ الأحزاب : 25 ] يعني جاهلين بحقيقة الأمر وكنه القصة . والإصباح : بمعنى الصيرورة . والندم : ضرب من الغم ، وهو : أن تغتمّ على ما وقع منك تتمنى أنه لم يقع ، وهو غم يصحب الإنسان صحبة لها دوام ولزام ، لأنه كلما تذكر المتندّم عليه راجعه من الندام : وهو لزام الشريب ودوام صحبته . ومن مقلوباته : أدمن الأمر أدامه . ومدن بالمكان : أقام به . ومنه : المدينة وقد تراهم يجعلون الهم صاحباً ونجياً وسميراً وضجيعاً ، وموصوفاً بأنه لا يفارق صاحبه .