تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ فَٱخۡتُلِفَ فِيهِۚ وَلَوۡلَا كَلِمَةٞ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيۡنَهُمۡۚ وَإِنَّهُمۡ لَفِي شَكّٖ مِّنۡهُ مُرِيبٖ} (110)

وقوله تعالى : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ ) أي التوراة ( فاختلف فيه ) أي اختلف في الكتاب والاختلاف فيه يحتمل وجوها ثلاثة :

أحدها : في الإيمان به والكفر ؛ منهم من آمن به ، ومنهم من كفر .

والثاني : اختلفوا فيه في الزيادة والنقصان والتبديل والتحويل والتحريف كقوله : ( وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب )الآية[ آل عمران : 78 ] وكقوله : ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم )[ البقرة : 79 ] وكقوله : ( يحرفون الكتاب عن مواضعه )[ النساء : 46 ] وأمثاله من الآيات .

والوجه الثالث : من الاختلاف : اختلافهم[ في الأصل وم : اختلفوا ] في تأويله وفي معناه بعد ما آمنوا به ، وقبلوه . فالاختلاف في التأويل مما احتمل كتابنا . وأما التبديل والتحريف والزيادة والنقصان فإنه لا يحتمل لما ضمن الله حفظ هذا الكتاب بقوله : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )[ الحجر : 9 ] وقوله[ في الأصل وم : وقال ] : ( لا يأتيه الباطل )الآية[ فصلت : 42 ] وجعله منتشرا على ألسن الناس وقلوبهم ، حتى من زاد ، أو نقص ، أو بدل ، أو حرف شيئا ، أو قدم ، أو أخر ، عرف ذلك .

فهو ، والله أعلم ، لا يحتمل هذا : نسخها ، ولا شرائعه تبديلها وأما الكتب السالفة فإنما جعل حفظها إليهم بقوله : ( بما استحفظوا من كتاب الله )[ المائدة : 44 ] فهو ، والله أعلم ، لما احتمل شرائعها وأحكامها بنسخها وتبديلها ، لذلك كان الأمر ما ذكرنا قوله : ( ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ) ذكر هذا لرسول الله ، يصبره على ما اختلف قومه في الكتاب الذي نزل عليه ؛ يقول : وقد اختلف في ما أنزل على من كان قبلك كما اختلف في ما أنزل عليك .

وقوله تعالى : ( ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم ) بالهلاك هلاك استئصال واستيعاب .

وكلمته التي سبقت تحتمل [ وجوها :

أحدها ][ ساقطة من الأصل وم ] : ما كان من حكمه أن يختم الرسالة بمحمد ، وأن يجعله خاتم النبيين ، وأمنه آخر الأمم ؛ بهم تقوم الساعة ، يحتمل أن تكون كلمته التي ذكر هذا الذي ذكرنا .

والثاني[ في الأصل وم : وتحتمل وجا آخر وهو ] : إن كان من حكمه أنهم إذا اختلفوا في الكتاب والدين ، وصاروا بحيث لا يهتدون إلى شيء ، ولا يجدون سبيلا إلى الدين أن يبعث رسولا ، يبين لهم الدين ، ويدعوهم إلى الهدى ؛ لولا هذا الحكم سبق ، وإلا لقضى بينهم بالهلاك .

والثالث : لولا ما سبق منه أن يؤخر العذاب عن هذه الأمة إلى وقت ، وإلا لقضى بينهم بالهلاك .

والرابع[ في الأصل وم : وقوله تعالى : ( ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم ) ] : تحتمل الكلمة التي ذكر أنها سبقت في قوم موسى ، وهو أنه لا يهلكهم بعد الغرق إهلاك استئصال ، والتوراة إنما أنزلت من بعد [ الغرق ][ ساقطة من الأصل وم ] ، وقد آمن من ( قوم موسى أمة يهدون بالحق )الآية[ الأعراف : 159 ] وقوله تعالى : ( وإنهم لفي شك منه مريب ) يحتمل قوله : ( لفي شك منه ) في الدين ( مريب ) .

و قال بعضهم : ( لفي شك ) من العذاب ( مريب ) وقد ذكرنا الفرق بين الشك والريب في ما تقدم .