اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالُواْ يَٰشُعَيۡبُ أَصَلَوٰتُكَ تَأۡمُرُكَ أَن نَّتۡرُكَ مَا يَعۡبُدُ ءَابَآؤُنَآ أَوۡ أَن نَّفۡعَلَ فِيٓ أَمۡوَٰلِنَا مَا نَشَـٰٓؤُاْۖ إِنَّكَ لَأَنتَ ٱلۡحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ} (87)

قالوا له : { أَصَلَوَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَآ } قرأ حمزةُ والكسائيُّ وحفص عن عاصم ، " أصلاتُكَ " بغير واو . والباقون{[18946]} بالواو على الجمع .

قوله : { أَوْ أَن نَّفْعَلَ } العامَّةُ على نون الجماعةِ ، أو التعظيم في " نَفْعلُ " و " نشاءُ " .

وقرأ زيد بنُ عليّ ، وابنُ أبي عبلة والضحاك{[18947]} بنُ قيس بتاءِ الخطاب فيهما . وقرأ أبو عبد الرحمن{[18948]} وطلحة الأول بالنون والثاني بالتاء ، فمن قرأ بالنون فيهما عطفه على مفعول " نَتْرُكَ " وهو " ما " الموصولةُ ، والتقدير : أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبدُ آباؤنا ، أو أنْ نتركَ أن نفعل في أموالنا ما نشاءُ ، وهو بخسُ الكيل والوزن المقدَّم ذكرهما . و " أوْ " للتنويع أو بمعنى الواو ، قولان ، ولا يجوز عطفه على مفعول " تأمُركَ " ؛ لأنَّ المعنى يتغيَّرُ ، إذ يصير التقديرُ : أصلواتُك تأمُرك أن تفعل في أموالنا .

ومن قرأ بالتاء فيهما جاز أن يكون معطوفاً على مفعول " تأمُركَ " ، وأن يكون معطوفاً على مفعول " نترك " ، والتقديرُ : أصلواتك تأمرك أن تفعل أنت في أموالنا ما تشاءُ أنت ، أو أن نترك ما يعبدُ آباؤنا ، أو أن نترك أن تفعل أنت في أموالنا ما تشاء أنت .

ومن قرأ بالنُّون في الأوَّلِ وبالتَّاءِ في الثاني كان : " أن تفعل " معطوفاً على مفعول : " تأمُرُكَ " فقد صار ذلك ثلاثة أقسام ، قسمٍ يتعيَّنُ فيه العطفُ على مفعول : " نَتْرُكَ " وهي قراءةُ النُّونِ فيهما ، وقسم يتعيَّنُ فيه العطفُ على مفعول " تأمُرك " ، وهي قراءةُ النُّون في " نفعلُ " والتاء في " تشاء " ، وقسمٍ يجوزُ فيه الأمْران وهي قراءةُ التاء فيهما .

والظَّاهرُ من حيثُ المعنى في قراءة التَّاء فيهما ، أو في " تشاء " أنَّ المراد بقولهم ذلك هو إيفاءُ المكيال والميزان ؛ لأنه كان يأمرهم بهما .

وقال الزمخشريُّ : " المعنى : تأمرك بتكليف أن نترك ، فحذف المضاف لأنَّ الإنسان لا يؤمرُ بفعل غيره " .

واعلم أنَّ قوله : { أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَآ } إشارة إلى أنه أمرهم بالتوحيد . وقوله : { أَوْ أَن نَّفْعَلَ في أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ } إشارة إلى أنه أمرهم بترك البخس .

فصل

قيل : المرادُ بالصلاة هنا الدِّين والإيمان ؛ لأنَّ الصلاة أظهر شعائر الدين ؛ فجعلوا ذكر الصَّلاة كناية عن الدِّين . وقيل : أصل الصلاة الاتِّباعُ ، ومنه أخذ المصلِّي من خيل المسابقة ، وهو الذي يتلو السابق ؛ لأنَّ رأسه يكون على صلوي السَّابق ، وهما ناحيتا الفخذين ، والمعنى : دينُك يأمرك بذلك . وقيل : المرادُ هذه الأفعال المخصوصة ، روي أنَّ شُعَيْباً كان كثير الصَّلاةِ ، وكان قومه إذا رأوه يصلي يتغامزون ويتضاحكُون ، فقصدوا بقولهم : أصلاتُكَ تأمرك السخرية والاستهزاء .

{ إِنَّكَ لأَنتَ الحليم الرشيد } .

قال ابن عباس : أرادوا السَّفيه الغاوي ؛ لأنَّ العرب قد تصف الشيء بضده فيقولون : للديغ سليم ، وللفلاة مفازة{[18949]} .

وقيل : قالوه على وجهِ الاستهزاء ، كما يقال للبخيل الخسيس " لو رآكَ حاتمٌ ، لسجد لك " ، وقيل : الحليم ، الرشيد بزعمك .

وقيل : على الصِّحَّة أي : إنَّكَ يا شعيبُ فينا حليم رشيد لا يحصل بك شقّ عصا قومك ، ومخالفة دينهم ، وهذا كما قال قومُ صالح : { قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هذا } [ هود : 62 ] .


[18946]:ينظر: الحجة 348 والإتحاف 2/134 وقرأ بها أيضا ابن وثاب ينظر: البحر المحيط 5/254.
[18947]:ينظر: الكشاف 2/419، والمحرر الوجيز 3/200 والبحر المحيط 5/254 والدر المصون 4/123.
[18948]:ينظر: المحرر الوجيز 3/200 والبحر المحيط 5/254 والدر المصون 4/123.
[18949]:ذكره البغوي في "تفسيره" (2/398).