ثم إنَّ قائلاً منهم قال : { لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ } .
قيل : إنه رُوبيل ، وكان ابن خالة يُوسُف ، وكان أحسنُهم رأياً فيه ؛ فمنعهم من قتله ، وقيل : يهُوذا ، وكان أقدمهم في الرَّأي والفضلِ ، والسِّنِّ ، وهو الصحيح .
قوله : " فِي غَيَابَةِ " قرأ نافع : " غَيابَات " بالجمع في الحرفين من هذه السُّورة ، جعل ذلك المكان أجزاء ، وسمَّى لك جزءٍ غيابة ؛ لأن للجُبِّ أقطاراً ونواحِي ، فيكون فيها غيابات ، والباقون : بالإفراد ؛ لأن المقصُود : موضع واحد من الجُبِّ يغيب فيه يوسف ، وابن هُرْمز كنافع ، إلا أنَّه شدَّد الياء ، والأظهر في ههذه القراءة : أن يكُون سُمِّي باسم الفاعل الذي للمبالغة ، فهو وصف في الأصل ، وألحقه الفارسي بالاسم الجائي على فعَّال ، نحو ما ذكره سيبويه من الفيَّاد قال ابن جني : " ووجدت من ذلك الفخَّار : للخَزَف " .
وقال صاحب اللَّوامح : " يجوز أن يكو على " فعَّالات " كحمَّامات ، ويجوز أن يكون على " فيْعَالات " ، كشَيْطَانَات ، جمع شَيْطَانَه ، وكلٌّ للمبالغة " .
وقرأ الحسن : " في غَيَبةِ " بفتح الياء ، وفيه احتمالان :
أحدهما : أن يكون في الأصل مصدراً ؛ كالغلبة .
والثاني : أن يكون جمع غائب ، نحو : صَانِع وصنَعَة .
قال أبو حيَّانك " وفي حرف أبيَّ : " في غيْبَةِ " بسكون الياء ، وهي ظلمة الرَّكيَّة " .
قال شهاب الدين : " والضبط أمر حادثٌ ، فكيف يعرفُ ذلك من المصحف ، وتقدَّم نحو ذلك ، والغيابة ، قال الهروي : شبه لجف أو طاقٍ في البئر فُويْق الماء يغيب ما فيه عن العُيُون " .
وقال الكلبيُّ : " الغيابة تكون في قَعْر الجُبِّ ؛ لأَنَّ اسفله واسعٌ ، ورأسه ضيِّق ، فلا يكاد النَّاظر يرى ما في جوانبه " .
وقال الزمخشري : " هي غورة ، وما غب منه عن عين النَّاظر ، وأظلم من أسفله " .
3054 فإنْ أنَا يَوْماً غَيَّبَتْنِي غَيَابَتِي *** فَسِيرُوا بسَيرِي في العَشِيرةِ والأهْلِ
أراد : غيابة حُفرته التي يدفن فيها ، والجبُّ : البشر الذي لم تُطْوَ ، وسمِّي بذلك : إما لكونه مَحْفُوراً في جبُوب الأرض ، أي : ما غلظ منها ؛ وإما لأنه قطعَ في الأرضِ والجبُّ : القطعُ ، ومنه : الجبُّ في الذَّكر ؛ قال الأعشى : [ الطويل ]
3055 لَئِنْ كُنْتَ في جُبِّ ثَمانِينَ قَامَةً *** ورُقِّيتَ أسْبَابَ السَّماءِ بسُلَّمِ
ويجمع على جُنُبٍ ، وجِبَاب ، وأجْبَاب .
والألف واللام في " الجُبِّ " تقتضي المعهُود السَّابق ، واختلفوا فيه :
فقال قتادة : هو جُبُّ بئر بيت المقدِس ، وقيل : بأرض الأرْدُن .
وقال مقاتل : هو على ثلاثة فراسِخ من منْزِل يعقُوب ، وإنَّما عيَّنوا ذلك الجُبَّ ؛ للعلَّة التي ذكروها ، وهي قوله : " يَلتَقطهُ بَعْضُ السَّيارةِ " لأن تلك البِئْر كانت معروفة يَردُونَ عليها كثيراً ، وكانوا يعلمُون أنَّه إذا طُرِحَ فيها ، كان إلى السَّلامة أقْرب ؛ لأن السيارة إذا ورَدُوهَا ، شاهدوا ذلك الإنسان فيهن فيخرجوه ، ويذهبوا به فكان إلقاءه فيها أبعد عن الهلاك .
قوله " يَلتَقِطْهُ " قرأ العامَّةك " يَلْتَقِطْهُ " بالياء من تحت ، وهو الأصلُ وقرأ الحسن ، ومجاهد ، وأبو رجاء ، وقتادة : بالتَّاء من فوقح للتَّأنيثِ المعنويِّن والإضافة إلى مؤنَّث ، وقالوا : قُطِعَت بعضُ أصَابعه .
3056 إذَا بَعْضُ السِّنينَ تَعرَّقَتْنَا *** كَفَى الأيْتامَ فقدَ أبِي اليَتِيمِ
وتقدَّم الكلام بأوسع من هذا في الأنعام والأعراف [ الأنعام : 160 الأعرافَ : 56 ] .
والإلتِقَاط : تناول الشيء المطروح ، ومنه : اللُّقطَة واللَّقِيط ؛ قال الشاعر : [ الرجز ]
3057 ومَنْهَلٍ ورَدْتهُ التِقَاطَا *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
قال ابن عرفة : الالتقاط وجود الشيء على غير طلب ، ومنه قوله تعالى { يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السيارة } أي : يجده من غير أن يحتسب .
اختلفوا في الملقوط فقيل : إن أصله الحرية ؛ لغلبة الأحرار على العبيد ، وروي الحسين بن علي رضي الله عنهما قضى بأن اللقيط حُرٌّ ، وتلا قوله تعالى : { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ } [ يوسف : 20 ] وهذا قوله عمر بن الخطاب رضي الله عنه ويروى عن علي وجماعته ، وقال إبراهيم النخعي : إن نوى رقه فهو مملوك ، وإن نوى الاحتساب فهو حر .
والسيَّارة : جمع سيَّار ، وهو مثال مبالغة ، وهُمُ الجماعة الذين يسيرون في الطريق للسَّفَر ، وقال ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما : يريد : المارَّة ، ومفعول " فَاعِلينَ " محذُوف ، أي : فاعلين ما يحصل به غرضكم . وهذا إشارة إلى أن الأولى : أن لا تفعلوا شيئاً من ذلك ، وأما إن كان ولا بد ، فاقتصروا على هذا القدر ، ونظيره قوله تعالى : { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } [ النحل : 126 ] يعني : الأولى ألاَّ تفعلوا ذلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.