قوله تعالى : { ألَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ الله مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ } الآية لما شرح أحوال الأشقياء ، وأحوال السعداء ذكر مثالاً للقسمين وفي " ضَرَبَ " أوجه :
أحدها : أنه متعد لواحد بمعنى اعتمد مثلاً ووضعه ، و " كَلِمةً " على منصوبة بمضمر ، أي : جعل كلمة طيبة كشجرة طيبة ، وهو تفسير لقوله : " ضَربَ اللهُ مَثلاً " كقولك : شَرفَ الأمير زيْداً كَساهُ حُلَّةً ، وحلمه على ضربين ، وبه بدأ الزمخشريُّ .
قال أبو حيان{[19255]} -رحمه الله- : " وفيه تكلف إضمار ، ولا ضرورة تدعو إليه " .
قال شهاب الدين{[19256]} : " بل معناه محتاج إليه فيضطر إلى تقديره محافظة على لمح هذا المعنى الخاص " .
الثاني : أنَّ " ضَرَبَ " متعدية لاثنين ؛ لأنها بمعنى " صَيَّرَ " لكن مع لفظ المثل خاصة ، وقد تقدَّم تقرير هذا أوَّل الكتاب ، فيكون " كَلمَةٌ " مفعولاً أولا ، و " مَثلاً " هو الثاني مقدم .
الثالث : أنَّه متعدٍّ لواحد ، وهو " مَثَلاً " ، و " كَلمَةً " بدل منه ، و " كَشجَرةٍ " خبر مبتدأ مضمر ، أي : هي كشجرة طيبة وعلى الوجهين قبله يكون " كَشجَرةٍ " نعتاً ل : " كَلِمَةً " .
وقرئ " كَلِمةٌ " بالرفع ، وفيه وجهان :
أحدهما : أنه خبر مبتدأ مضمر ، أي : هو ، أي : المثل كلمة طيبة ، ويكون " كَشجَرة على هذا نعتاً ل " كَلِمَةٍ " .
والثاني : أنَّها مرفوعة بالابتداء ، و " كَشجَرةٍ " خبر .
وقرأ أنس{[19257]} بن مالكٍ -رضي الله عنه " ثَابِتٌ أصْلُهَا " .
قال الزمخشريُّ{[19258]} : فِإن قلت : أي فرق بين القراءتين ؟ قلت : قراءة الجماعة أقوى معنى ؛ لأنَّ قراءة أنس أجرت الصفة على الشجرة ، ولو قلت : مررتُ برجُلٍ أبُوهُ قَائِمٌ ، فهو أقوى من " رَجُل قَائِم أبوهُ " ؛ لأنَّ المخبر عنه إنَّما هو الأب ، لا " رجل " . والجملة من قوله : " أصْلُهَا ثَابتٌ " في محلِّ جرٍّ نعتاً ل " شَجَرةٍ " .
وكذلك " تُؤتِي أكلها " ويجوز فيهما أن يكونا مستأنفين ، وجواز أبو البقاء في " تُوتِي " أن يكون حالاً من معنى الجملة التي قبلها ، أي : ترتفع مؤتية أكلها ، وتقدم الخلاف في " أكُلَهَا " .
المعنى : ألم تعلم ، والمثل : قول سائر كتشبيه شيء بشيء : " كَلِمة طَيِّبةً " هي قول : لا إله إلا الله " كَشجَرةٍ طَيِّبةٍ " وهي النَّخلةُ يريد : كشجرة طيبة الثمر .
وقال أبو ظبيان عن ابن عباسٍ -رضي الله عنه- : هي شجرة في الجنَّة أصلها ثابت في الأرض ، وفرعها أعلاها في السماء ، كذلك أصل هذه الكلمة راسخ في قلب المؤمن بالمعرفة ، والتصديق ، فإذا تكلَّم بها عرجت ، فلا تحجب حتى تنتهي إلى الله -عزَّ وجلَّ- قال تعالى : { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب والعمل الصالح يَرْفَعُهُ }{[19259]} [ فاطر : 10 ] . ووصف الشجرة بكونها طيبة وذلك يشمل طِيبَ الصورة والشكل والمنظر ، والطعم ، والرائحة والمنفعة ويكون أصلها ثابت ، أي : راسخٌ آمن من الانقطاع ، والزوال ويكون فرعها في السماء ؛ لأن ارتفاع الأغصان يدلُّ على ثبات الأصل ، وأنَّها متى ارتفعت كانت بعدية عن عفونات الأرض ، فكانت ثمارها نقيّة طاهرة عن جميع الشَّوائبِ ، ووصفها أيضاً بأنها : " تُؤتِي أكلها كُلَّ حينٍ بإذنِ ربِّها " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.