اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا كَلِمَةٗ طَيِّبَةٗ كَشَجَرَةٖ طَيِّبَةٍ أَصۡلُهَا ثَابِتٞ وَفَرۡعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ} (24)

قوله تعالى : { ألَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ الله مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ } الآية لما شرح أحوال الأشقياء ، وأحوال السعداء ذكر مثالاً للقسمين وفي " ضَرَبَ " أوجه :

أحدها : أنه متعد لواحد بمعنى اعتمد مثلاً ووضعه ، و " كَلِمةً " على منصوبة بمضمر ، أي : جعل كلمة طيبة كشجرة طيبة ، وهو تفسير لقوله : " ضَربَ اللهُ مَثلاً " كقولك : شَرفَ الأمير زيْداً كَساهُ حُلَّةً ، وحلمه على ضربين ، وبه بدأ الزمخشريُّ .

قال أبو حيان{[19255]} -رحمه الله- : " وفيه تكلف إضمار ، ولا ضرورة تدعو إليه " .

قال شهاب الدين{[19256]} : " بل معناه محتاج إليه فيضطر إلى تقديره محافظة على لمح هذا المعنى الخاص " .

الثاني : أنَّ " ضَرَبَ " متعدية لاثنين ؛ لأنها بمعنى " صَيَّرَ " لكن مع لفظ المثل خاصة ، وقد تقدَّم تقرير هذا أوَّل الكتاب ، فيكون " كَلمَةٌ " مفعولاً أولا ، و " مَثلاً " هو الثاني مقدم .

الثالث : أنَّه متعدٍّ لواحد ، وهو " مَثَلاً " ، و " كَلمَةً " بدل منه ، و " كَشجَرةٍ " خبر مبتدأ مضمر ، أي : هي كشجرة طيبة وعلى الوجهين قبله يكون " كَشجَرةٍ " نعتاً ل : " كَلِمَةً " .

وقرئ " كَلِمةٌ " بالرفع ، وفيه وجهان :

أحدهما : أنه خبر مبتدأ مضمر ، أي : هو ، أي : المثل كلمة طيبة ، ويكون " كَشجَرة على هذا نعتاً ل " كَلِمَةٍ " .

والثاني : أنَّها مرفوعة بالابتداء ، و " كَشجَرةٍ " خبر .

وقرأ أنس{[19257]} بن مالكٍ -رضي الله عنه " ثَابِتٌ أصْلُهَا " .

قال الزمخشريُّ{[19258]} : فِإن قلت : أي فرق بين القراءتين ؟ قلت : قراءة الجماعة أقوى معنى ؛ لأنَّ قراءة أنس أجرت الصفة على الشجرة ، ولو قلت : مررتُ برجُلٍ أبُوهُ قَائِمٌ ، فهو أقوى من " رَجُل قَائِم أبوهُ " ؛ لأنَّ المخبر عنه إنَّما هو الأب ، لا " رجل " . والجملة من قوله : " أصْلُهَا ثَابتٌ " في محلِّ جرٍّ نعتاً ل " شَجَرةٍ " .

وكذلك " تُؤتِي أكلها " ويجوز فيهما أن يكونا مستأنفين ، وجواز أبو البقاء في " تُوتِي " أن يكون حالاً من معنى الجملة التي قبلها ، أي : ترتفع مؤتية أكلها ، وتقدم الخلاف في " أكُلَهَا " .

فصل

المعنى : ألم تعلم ، والمثل : قول سائر كتشبيه شيء بشيء : " كَلِمة طَيِّبةً " هي قول : لا إله إلا الله " كَشجَرةٍ طَيِّبةٍ " وهي النَّخلةُ يريد : كشجرة طيبة الثمر .

وقال أبو ظبيان عن ابن عباسٍ -رضي الله عنه- : هي شجرة في الجنَّة أصلها ثابت في الأرض ، وفرعها أعلاها في السماء ، كذلك أصل هذه الكلمة راسخ في قلب المؤمن بالمعرفة ، والتصديق ، فإذا تكلَّم بها عرجت ، فلا تحجب حتى تنتهي إلى الله -عزَّ وجلَّ- قال تعالى : { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب والعمل الصالح يَرْفَعُهُ }{[19259]} [ فاطر : 10 ] . ووصف الشجرة بكونها طيبة وذلك يشمل طِيبَ الصورة والشكل والمنظر ، والطعم ، والرائحة والمنفعة ويكون أصلها ثابت ، أي : راسخٌ آمن من الانقطاع ، والزوال ويكون فرعها في السماء ؛ لأن ارتفاع الأغصان يدلُّ على ثبات الأصل ، وأنَّها متى ارتفعت كانت بعدية عن عفونات الأرض ، فكانت ثمارها نقيّة طاهرة عن جميع الشَّوائبِ ، ووصفها أيضاً بأنها : " تُؤتِي أكلها كُلَّ حينٍ بإذنِ ربِّها " .


[19255]:ينظر: البحر المحيط 5/410.
[19256]:ينظر: الدر المصون 4/266.
[19257]:ينظر: الكشاف 2/553 والمحرر الوجيز 3/335 والبحر المحيط 5/411 والدر المصون 4/266.
[19258]:ينظر: الكشاف 2/553.
[19259]:ذكره البغوي في "تفسيره" (3/32).