اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَقَدۡ نَعۡلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدۡرُكَ بِمَا يَقُولُونَ} (97)

قوله : { إِنَّا كَفَيْنَاكَ المستهزئين } يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم { فاصدع بِمَا تُؤْمَرُ } ، ولا تخف أحداً غير الله ، فإن الله كافيك ِأعداءك كما كفاك المستهزئين ، وهم خمسة نفرٍ من رؤساء قريش : الوليد بن المغيرة المخزوميُّ ، وكان رأسهم ، والعاص بن وائلٍ [ السهمي ]{[19667]} ، والأسود بن عبد المطلب بن الحارث بن أسد بن عبد العزى أبو زمعة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعا عليه ، فقال : " اللَّهُمَّ أعْمِ بصَرهُ ، وأثْكلهُ بِولَدهِ " ، والأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد منافٍ بن زهرة ، والحرث بن قيس بن الطلالة ؛ فأتى جبريل محمداً صلى الله عليه وسلم والمستهزئون يطوفون بالبيت ، فقام جبريل -صلوات الله وسلامه عليه- وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه ، فمرّ به الوليد بن المغيرة ، فقال جبريل -عليه السلام- : يا محمد : كيف تجدُ هذا ؟ قال : " بئس عبد الله " قال : قد كَفَيْتُكَه{[19668]} ، وأؤْمَأ إلى ساق الوليد ، فمرَّ برجلِ من خزاعة نبَّال يَرِيشُ نَبْلاً ، وعليه برد يمان ، وهو يهز إزاره ، فتعلَّقت شظية نبلٍ بإزاره ، فمنعه الكبرُ أن يتطامن ، فينزعها ، وجعلت تضربُ ساقه ؛ فخدشته فمرض منها حتَّى مات . ومرَّ به العاص بن وائلٍ ، فقال جبريلُ : كيف تجد هذا يا محمد ؟ قال : بِئْسَ عبد الله ، فأشار جبريل -عليه السلام- إلى أخْمَصِ رجليه ، وقال : قد كفيتكه ، فخرج على راحلته ، ومعه ابنان له يتنزَّه ؛ فنزل شِعْباً من تلك الشِّعاب ، فوطئ على شبرقة ، فدخلت شوكة في أخمص رجله ، فقال : لُدِغْتُ لُدِغْتُ ؛ فطلبوا ، فلم يجدوا شيئاً ، وانتفخت رجله حتى صارت مثل عنق البعير ، فمات مكانه .

ومرّ به مربد بن الأسود بن المطلب ، فقال جبريل : كيف تجدُ هذا يا محمَّد ؟ قال : " عَبْدُ سوءٍ " ، فأشار بيده إلى عينيه ، وقال : قد كَفَيْتُكَهُ ، فعمي .

قال ابن عباس -رضي الله عنه- : رماه جبريل بورقةٍ خضراء ؛ فذهب بصره ، ووجعت عينه ، فجعل يضرب برأسه الجدار حتَّى هلك ، ومرَّ به الأسود بن عبد يغوث ، فقال جبريل -عليه الصلاة السلام- : كَيْفَ تَجِدُ هذا يا محمد ؟ قال : بئس عبد الله على أنه [ ابن ] خالي ، فقال جبريل -عليه الصلاة والسلام- : قد كفيتكه فأشار إلى بطنه فاستسقى فمات ، ومرَّ به الحارث بن قيسٍ ، فقال جبريل -عليه السلام- كيف تجد هذا يا محمَّد ؟ -صلوات الله وسلامه عليك- ، قال : عَبدُ سُوءٍ فأومأ ، فامتخط قيحاً ؛ فمات{[19669]} .

قيل : استهزاؤهم ، واقتسامهم أنَّ الله –تعالى- لمّا أنزل في القرآنِ سورة البقرةِ ، وسورة النحل ، وسورة العنكبوت ، كانوا يجتمعون ، ويقولون استهزاء ، يقول هذا إلى سورة البقرة ، ويقول هذا إلى سورة النحل ، ويقول هذا إلى سورة العنكبوت فأنزل الله تعالى : { ولقد نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ }


[19667]:في أ: التميمي.
[19668]:في ب: كفيته.
[19669]:ذكره الهيثمي في "المجمع" (7/ 49 – 50) وقال: رواه الطبراني في "الأوسط" وفيه محمد بن عبد الحكيم النيسابوري ولم أعرفه. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (4/200) وعزاه إلى الطبراني في "الأوسط والبيهقي وأبي نعيم كلاهما في "الدلائل".