قوله { يُنَزِّلُ الملاائكة } قد تقدم الخلاف في " يُنَزِّلُ " بالنسبة إلى التشديد والتخفيف في البقرة{[19682]} .
وقرأ زيد بن عليٍّ والأعمش وأبو بكر عن عاصم " تُنَزَّلُ " [ مشدداً ]{[19683]} مبنيًّا للمفعول وبالتاء من فوق . " المَلائِكَةُ " رفعاً لقيامه مقام الفاعل ، وقرأ الجحدري{[19684]} : كذلك إلا أنه خفَّف الزَّاي .
وقرأ الحسن ، والأعرج ، وأبو العالية{[19685]} - رحمهم الله - عن عاصم بتاء واحدة من فوق ، وتشديد الزاي مبنياً للفاعل ، والأصل تتنزل بتاءين .
وقرأ ابن أبي{[19686]} عبلة : " نُنَزِّلُ " بنونين وتشديد الزَّاي " المَلائِكةَ " نصباً ، وقتادة كذلك إلاَّ أنَّه بالتخفيف .
قال ابن عطية{[19687]} : " وفيهما شذوذٌ كبيرٌ " ولم يبين وجه ذلك .
ووجهه أنَّ ما قبله وما بعده ضمير غائبٌ ، وتخريجه على الالتفات .
قوله : " بِالرُّوحِ " يجوز أن يكون متعلقاً بنفس الإنزالِ ، وأن يكون متعلقاً بمحذوف على أنه حال من الملائكة ، أي : ومعهم الروحُ .
قوله " مِنْ أمْرهِ " حال من الروح ، و " مِنْ " إمَّا لبيانِ الجنس ، وإما للتبعيض .
قوله " أنْ أنْذِرُوا " في " أنْ " ثلاثة أوجهٍ :
أحدها : أنَّها المفسرة ؛ لأن الوحي فيه ضرب من [ القول ]{[19688]} ، والإنزال بالروح عبارةٌ عن الوحي ؛ قال تعالى : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا } [ الشورى : 52 ] وقال : { يُلْقِي الروح مِنْ أَمْرِهِ على مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } [ غافر : 15 ] .
الثاني : أنها المخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن محذوف ، تقديره : أنَّ الشأن أقول لكم : أنه لا إله إلا أنا ، قاله الزمخشري{[19689]} .
الثالث : أنها المصدرية التي من شأنها نصب المضارع ، ووصلت بالأمر ؛ كقولهم : كتبت إليه بأن قُمْ ، وتقدم البحث فيه .
فإن قلنا : إنَّها المفسرة فلا محلَّ لها ، وإن قلنا : إنها المخففة ، أو الناصبة ففي محلّها ثلاثة أوجهٍ :
أحدها : أنَّها مجرورة المحل بدلاً من " الرُّوحِ " لأنَّ التوحيد روحٌ تحيا به النفوس .
الثاني : أنَّها في محل جرٍّ على إسقاطِ الخافض ؛ كما هو مذهب الخليل .
الثالث : أنَّها في محلِّ نصبٍ على إسقاطه ؛ وهو مذهب سيبويه{[19690]} .
والأصل : بأن أنذروا ؛ فلما حذف الجار جرى الخلاف المشهور .
قوله : { أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ أَنَاْ } هو مفعول الإنذار ، والإنذار قد يكون بمعنى الإعلام ؛ يقال : أنْذرتهُ ، وأنْذَرتهُ بكذا ، أي : أعلموهم بالتوحيد .
وقوله : " فاتَّقُونِ " التفاتٌ إلى التكلم بعد الغيبة .
وجه النَّظم : أنَّ الله - تعالى - لما أجاب الكفار عن شبهتهم ؛ تنزيهاً لنفسه - سبحانه وتعالى - عما يشركون ؛ فكأنَّ الكفار قالوا : هب أنَّ الله قضى على بعض عبيده بالشرّ ، وعلى آخرين بالخير ، ولكن كيف يمكنك أن تعرف هذه الأمور التي لا يعلمها إلا الله ؟ وكيف صرت بحيث تعرف أسرار الله وأحكامه في ملكه وملكوته ؟ .
فأجاب الله - تعالى - بقوله : { يُنَزِّلُ الملائكة بالروح مِنْ أَمْرِهِ على مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أنذروا أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ أَنَاْ فاتقون } وتقرير هذا الجواب : أنَّه - تعالى - ينزل الملائكة على من يشاء من عباده ، ويأمر ذلك العبد أن يبلغ إلى سائر الخلق أن إله الخلق كلفهم بالتوحيد ، وبالعبادة ، وبين لهم أنَّهم إن فعلوا ، فازوا بخيرِ الدنيا والآخرة ، فهذا الطريق ضربٌ مخصوصٌ بهذه المعارف من دون سائر الخلق .
روى عطاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : يريد ب " المَلائِكة " جبريل وحده{[19691]} .
وقال الواحديُّ : يسمَّى الواحد بالجمع ؛ إذا كان ذلك الواحد رئيساً مقدَّماً جائز ، كقوله تعالى : { إِنَّآ أَرْسَلْنَا } [ القمر : 19 ] ، و{ إنَّآ أَنزَلْنَا } [ النساء : 105 ] ، و { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا } [ الحجر : 9 ] .
والمراد بالروح الوحي كما تقدم ، وقيل : المراد بالروح هنا النبوة ، وقال قتادة رحمه الله تعالى : الرحمة{[19692]} ، وقال أبو عبيدة : إنَّ الروح ههنا جبريل عليه السلام .
والباءُ في قوله " بِالرُّوحِ " بمعنى " مع " كقولهم : " خَرجَ فلانٌ بِثيَابهِ " أي : ومعه ثيابهُ .
والمعنى : نُنزِّلُ الملائكة مع الروح ؛ وهو جبريل ، وتقرير هذا الوجه : أنَّه - تعالى - ما أنزل على محمدٍ - صلوات الله وسلامه عليه - جبريل وحدهُ في أكثر الأحوالِ ؛ بل كان يُنزِّلُ مع جبريل - عليه السلام - أقواماً من الملائكة ؛ كما في يوم بدرٍ ، وفي كثيرٍ من الغزواتِ ، وكان ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم تارة ملك الجبال ، وتارة ملك البحار ، وتارة رضوان ، وتارة غيرهم .
وقوله " مِنْ أمْرهِ " أي أنَّ ذلك النُّزُولَ لا يكون إلا بأمر الله ؛ كقوله : { وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ } [ مريم : 64 ] وقوله تعالى : { وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ } [ الأنبياء : 27 ] ، وقوله : { وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [ التحريم : 6 ] .
وقوله : { على مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } يريد الأنبياء المخصوصين برسالته : " أنْ أنْذِرُوا " قال الزجاج : " أنْ " بدلٌ من " الرُّوحِ " .
والمعنى : ينزِّل الملائكة بأن أنذروا ، أي : أعلموا الخلائق ، أنَّه لا إله إلا أنا ، والإنذار هو الإعلامُ مع التخويف .
" فاتَّقُون " فخافون . يروى أن جبريل - صلوات الله وسلامه عليه - نزل على آدم - عليه الصلاة والسلام - اثنتي عشرة مرة ، وعلى إدريس أربع مراتٍ ، وعلى نوح - عليه الصلاة والسلام - خمسين مرَّة ، وعلى إبراهيم اثنتين وأربعين مرة وعلى موسى أربع مرات ، وعلى عيسى عشر مراتٍ ، وعلى محمدٍ صلى الله عليه وسلم وعلى سائر الأنبياء أربعة وعشرين ألف مرَّةٍ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.