اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤۡمِنُوٓاْ إِذۡ جَآءَهُمُ ٱلۡهُدَىٰ وَيَسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّهُمۡ إِلَّآ أَن تَأۡتِيَهُمۡ سُنَّةُ ٱلۡأَوَّلِينَ أَوۡ يَأۡتِيَهُمُ ٱلۡعَذَابُ قُبُلٗا} (55)

قوله : { وَمَا مَنَعَ الناس أَن يؤمنوا إِذْ جَآءَهُمُ الهدى } الآية .

تقدم إعراب نظيرها في آخر السورة قبلها .

فإن قلت : قالت المعتزلةُ : الآية دالةٌ على أنَّه لم يوجد ما يمنع عن الإقدام على الإيمانِ ، وذلك يدلُّ على فساد قول من يقول : إنه حصل المانعُ .

[ فالجواب ]{[21171]} بأن العلم بأنه لا يؤمنُ مضادٌّ لوجود الإيمان ، وإذا كان ذلك العلم قائماً ، كان المانعُ قائماً .

وأيضاً : قول الداعي إلى الكفر مانعٌ من حصول الإيمان .

وإذا ثبت هذا ، ظهر أن المراد مقدار الموانع المحسوسة .

فصل في معنى الآية

المعنى : { وَمَا مَنَعَ الناس أَن يؤمنوا إِذْ جَآءَهُمُ الهدى } : القرآن والإسلام والبيان من الله عزَّ وجلَّ .

وقيل : إنه الرسول صلى الله عليه وسلم .

قوله : { وَيَسْتَغْفِرُواْ رَبَّهُمْ } ويتوبوا .

قوله : { إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأولين } وهو عذاب الاستئصال وقيل : إلا طلب أن يأتيهم سنَّة الأولين من معاينة العذاب ، كما قالوا : { إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السمآء } [ الأنفال : 32 ] .

قوله : { أَوْ يَأْتِيَهُمُ العذاب قُبُلاً } .

قال ابن عباس : أي عياناً من المقابلة{[21172]} .

وقال مجاهد : فجأة{[21173]} .

قرأ حمزة ، والكسائي ، وعاصم ، وأبو جعفر بضمِّ القاف والباء ، جمع قبيل : أي أصناف العذاب نوعاً نوعاً ، والباقون بكسر القاف ، وفتح الباء ، أي عياناً .

وروى الزمخشري : " قَبَلاً " بفتحتين ، أي : [ مستقبلاً ، والمعنى : ] أنهم لا يقدمون على الإيمان إلا عند نُزُول العذاب . واعلم أنَّهم لا يوقفون الإقدام على الإيمان على أحد هذين الشرطين ؛ لأنَّ العاقل لا يرضى بحُصُول الأمرين إلا أنَّ حالهم بحال من وقف العمل على أحد هذين الشَّرطين .


[21171]:في ب: وأجيبوا.
[21172]:ذكره الماوردي (3/319) والبغوي (3/169) والقرطبي (11/6).
[21173]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (8/242) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (4/415) وعزاه إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم.