اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ إِنَّ زَلۡزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيۡءٌ عَظِيمٞ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الحج

مكية غير ست آيات نزلت بالمدينة وهي قوله : " هذان خصمان " إلى قوله : " وهدوا إلى صراط الحميد " {[1]} . وهي ثمان وتسعون آية ، وعدد كلماتها ألفان ومائتان وإحدى وتسعون كلمة ، وعدد حروفها خمسة آلاف وخمسة وسبعون حرفا .

قوله : { يا أيها الناس اتقوا رَبَّكُمْ } أي : احذروا عقابه . والأمرُ بالتقوى يتناولُ اجتنابَ المحرمات ، واجتنابَ تركِ الواجبات .

قوله : { إِنَّ زَلْزَلَةَ الساعة } الزلزلة : شدة حركة الشيء ، ويجوز في هذا المصدر وجهان :

أحدهما : أن يكون مضافاً لفاعله ، وذلك على تقديرين :

أحدهما : أن يكون من ( زَلْزَلَ ) اللازم بمعنى : يُزَلْزِل ، فالتقدير : أن تزلزل السَّاعة . {[30003]}

والثاني : أن يكون من ( زَلْزَلَ ) المتعدي ، ويكون المفعول محذوفاً تقديره : إن زلزال الساعةِ الناسَ ، كذا قدره أبو البقاء{[30004]} . والأحسن أن يقدر : إن زلزال الساعة الأرض ، يدل عليه { إِذَا زُلْزِلَتِ الأرض{[30005]} } [ الزلزلة : 1 ] ، ونسبة التزلزل أو الزلزال إلى الساعة على سبيل المجاز . {[30006]}

الوجه الثاني : أن يكون المصدر مضافاً إلى المفعول به على طريقة الاتساع في الظرف{[30007]} كقوله :

طَبَّاخِ سَاعَاتِ الكَرَى زَادَ الكَسِل{[30008]} *** . . .

وقد أوضح الزمخشري ذلك بقوله : ولا تخلو «السَّاعَةُ » من أن تكون على تقدير الفاعل لها ، كأنها هي التي تزلزل الأشياء على المجاز الحكمي ، فتكون الزلزلة مصدراً مضافاً إلى فاعله ، وعلى تقدير المفعول فيها على طريقة الاتساع في الظرف ، وإجرائه مجرى المفعول به كقوله تعالى : { مَكْرُ الليل والنهار{[30009]} }{[30010]} [ سبأ : 33 ] .

فصل

اختلفوا في وقت هذه الزلزلة ، فقال علقمة{[30011]} والشعبي : هي من أشراط الساعة قبل قيام الساعة{[30012]} ، ويكون بعدها طلوع الشمس من مغربها . وقال ابن عباس : زلزلة الساعة قيامها ، فتكون فعلها{[30013]} روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث الصور : «إِنَّهُ قَرْنٌ عظيمٌ ينفخ فيه ثلاث نفخات : نفخة الفَزَع ، ونفخة الصَّعْقِ ، ونفخة القيامة ، وإن عند نفخة الفزع يسير الله الجبال ، وتَرْجُف الراجفة ، تتبعها الرّادِفَة ، قلوب يومئذٍ واجِفَة وتكون الأرض كالسفينة حصرتها الأمواج أو كالقِنْديل المعلق تموجها الرياح{[30014]} » . قال مقاتل وابن زيد : هذا في أول يوم من أيام الآخرة{[30015]} وليس في الآية دلالة على هذه الأقوال ، لأن هذه الإضافة [ تصح{[30016]} ] وإن كانت فيها ومعها كقولنا : آيات الساعة وأمارات الساعة{[30017]} .

قوله : «يَوْم » ، فيه أوجه :

أحدها : أن ينتصب ب «تَذْهَلُ » ، ولم يذكر الزمخشري غيره{[30018]} .

الثاني : أنه منصوب ب «عَظِيم »

الثالث : أنه منصوب بإضمار «اذْكُر » .

الرابع : أنه بدل من «السَّاعة{[30019]} » ، وإنما فُتِح لأنه مبني ، لإضافته إلى الفعل وهذا إنما يتمشى على قول الكوفيين{[30020]} ، وتقدم تحقيقها آخر المائدة{[30021]} .

الخامس : أنه بدل من «زَلْزَلة » بدل اشتمال ، لأن كلاًّ من الحدث والزمان يصدق أنه مشتمل على الآخر . ولا يجوز أن ينتصب ب «زَلْزَلة » لما يلزم من الفصل بين المصدر ومعموله بالخبر{[30022]} .


[1]:في النسختين تقدم. وندم تصحيح من الرازي. وانظر تصحيح ذلك وغيره في تفسير الإمام 28/117.
[30003]:انظر التبيان 2/ 931.
[30004]:المرجع السابق.
[30005]:من قوله تعالى: {إذا زلزلت الأرض زلزالها} [الزلزلة: 1] وانظر البحر المحيط 6/ 349.
[30006]:انظر الكشاف 3/ 24 البحر المحيط 6/ 349.
[30007]:التوسع في الظرف جعله مفعولا به على طريق الاتساع، فيسوغ حينئذ إضماره غير مقرون ب (في) نحو اليوم سرته، ولا يجوز ذلك في المنصوب على الظرف، بل إذا أضمر وجب التصريح ب (في) لأن الضمير يرد الأشياء إلى أصولها فيقال: اليوم سرت فيه، وسواء في التوسع ظرف الزمان والمكان، فالأول نحو: ويوم شهدناه سليما وعامرا *** قليل سوى الطعن النهال نوافله والثاني نحو: ومشرب أشربه وشيل. ويجوز حينئذ الإضافة إليه على طريق الفاعلية نحو: {بل مكر الليل والنهار} [سبأ: 33] والمفعولية نحو {تربص أربعة أشهر} [البقرة: 226] ولا تصح الإضافة عند إرادة الظرف؛ لأن تقدير (في) يحول بين المضاف والمضاف إليه وللتوسع شروط الأول: أن يكون الظرف متصرفا، فما لزم الظرفية لا يتوسع فيه؛ لأن التوسع مناف لعدم التصرف؛ إذ يلزم منه أن يسند إليه ويضاف إليه. الثاني والثالث: أن لا يكون العامل حرفا ولا اسما جامدا؛ لأنهما يعملان في الظرف لا في المفعول به والمتوسع فيه مشبه بالمفعول به فلا يعملان فيه. الرابع: أن لا يكون فعلا متعديا إلى ثلاثة؛ لأن الاتساع في اللازم له ما يشبه به وهو المتعدي إلى واحد، والاتساع في المتعدي إلى واحد له ما يشبه به وهو المتعدي إلى اثنين والاتساع في المتعدي إلى اثنين له ما يشبه به وهو المتعدي إلى ثلاثة، فيجوز فيها وأما ما يتعدى إلى ثلاثة فليس له ما يشبه به؛ إذ ليس لنا فعل يتعدى إلى أربعة. الخامس: أن لا يكون العامل كان وأخواتها إن قلنا إنها تعمل في الظرف حذرا من كثرة المجاز، لأنها إذا رفعت ونصبت تشبيها بالفعل المتعدي، والعمل بالشبه مجاز، فإذا نصبت الظرف على الاتساع وهو مجاز أيضا كثر المجاز فيمنع منه. انظر التبيان 2/ 931 الهمع 1/ 203.
[30008]:رجز قاله جبار بن جزء بن ضرار وهو في ديوان الشماخ (389- 390) مع نسبته لجبار، الكتاب 1/ 177 الكامل 1/ 258 مجالس ثعلب 1/ 126 المخصص 3/ 37 أمالي ابن الشجري 2/ 250، الخزانة 4/ 233 الكرى: النعاس. الكسل: بفتح الكاف وكسر السين – الكسلان. والشاهد فيه: إضافة (طباخ) إلى (ساعات) على تشبيهه بالمفعول به، لا على أنه ظرف وعلى ذلك يعد (زاد الكسل) مفعولا ثانيا.
[30009]:[سبأ: 33].
[30010]:الكشاف 3/ 24.
[30011]:تقدم.
[30012]:انظر البغوي: 5/ 546.
[30013]:المرجع السابق.
[30014]:أخرجه الطبري: انظر جامع البيان 17/ 85.
[30015]:انظر الفخر الرازي: 23/ 4.
[30016]:تصح: تكملة ليست بالمخطوط.
[30017]:انظر الفخر الرازي: 23/ 4.
[30018]:الكشاف: 3/ 24.
[30019]:هذه الأوجه ذكرها أبو البقاء في التبيان 2/ 931.
[30020]:وذلك لأن ظرف الزمان المحمول على "إذ" و "إذا" إن وليه فعل مضارع معرب، فالإعراب أرجح من البناء عند الكوفيين والأخفش، وواجب عند جمهور البصريين لعدم التناسب. شرح التصريح 2/ 42.
[30021]:عند قوله تعالى: {قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم} [المائدة: 119]. انظر اللباب 3/ 367 – 368.
[30022]:وذلك لأن المصدر مع معموله كالموصول مع صلته، فكما لا يفصل بين الموصول وصلته لا يفصل بين المصدر ومعموله بتابع وغيره. انظر التبيان 2/ 931 الهمع 2/ 93.