قوله :{ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ آذَنتُكُمْ على سَوَآءٍ } آذَنْتُكُمْ أعلمتكم ، فالهمزة فيه للنقل ، قال الزمخشري : آذن منقول{[29953]} من أذن : إذا علم{[29954]} ، لكنه كثر استعماله في الجري مجرى الإنذار{[29955]} ، ومنه قوله :
{ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ }{[29956]} وقول ابن حلزة :
3742- آذَنْتَنَا بِبَيْنهَا أَسْمَاءُ{[29957]} *** . . .
وقد تقدم تحقيق هذا في البقرة{[29958]} .
قوله : { على سَوَآءٍ } في محل نصب على الحال من الفاعل والمفعول معاً ، أي : مستوين بما أعلمتكم به لم نطوه على أحد منهم{[29959]} .
فصل{[29960]}
قال أبو مسلم : الإنذار على السواء الدعاء على الحرب مجاهرة كقوله : { فانبذ إِلَيْهِمْ على سَوَآءٍ }{[29961]} وفائدة ذلك أنه كان يجوز أن يقدر من أشرك أنّ حالهم مخالف لسائر حال الكفار في المجاهرة ، فعرفهم بذلك أنهم كالكفار في ذلك{[29962]} . وقيل : المعنى : فقد أعلمتكم ما هو الواجب عليكم من التوحيد وغيره على سواء في الإبلاغ والبيان ، لأني بعثت معلماً ، والغرض منه إزاحة العذر لئلا يقولوا { رَبَّنَا لولا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً }{[29963]} وقيل : ( ليستوي في الإيمان ){[29964]} . وقيل : { آذَنتُكُمْ على سَوَآءٍ } أي : على مهل أي : لا أعاجل بالحرب الذي آذنتكم ، بل أمهل وأؤخر رجاء إسلامكم .
قوله : { وَإِنْ أدري } العامة على إرسال الياء ساكنة ، إذ لا موجب لغير ذلك . وروي عن ابن عباس أنه قرأ «وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ » «وَإنْ أَدْرِيَ لَعَلَّهُ فتْنَةُ » بفتح الياءين{[29965]} ، وخرجت على التشبيه بياء الإضافة على أن ابن مجاهد أنكر هذه القراءة البتة{[29966]} . وقال ابن جنيّ : هو غلط ، لأن «أن » نافية لا عمل لها{[29967]} . ونقل أبو البقاء عن غيره أنه قال في تخريجها : أنه ألقي{[29968]} حركة الهمزة على الياء فتحركت ، وبقيت الهمزة ساكنة ، فأبدلت ألفاً{[29969]} لانفتاح ما قبلها ، ثم أبدلت همزة متحركة ، لأنها في حكم المبتدأ بها ، والابتداء بالساكن محال{[29970]} . وهذا تخريج متكلف لا حاجة إليه ، ونسبة راويها عن ابن عباس إلى الغلط أولى من هذا التكلف فإنها قراءة شاذة ، وهذا التخريج وإن وقع{[29971]} في الأولى فلا يجري في الثانية شيئاً . وسيأتي قريب من ادعاء قلب الهمزة ألفاً ثم قلب الألف همزة في قوله : { مِنْسَأَتَهُ }{[29972]} -إن شاء الله- ، وبذلك يسهل الخطب في التخريج المذكور والجملة الاستفهامية في محل نصب ب «أدْرِي » ، لأنها معلقة لها عن العمل ، وأخر المستفهم عنه لكونه فاصلة ، ولو وسط لكان التركيب : أقريب ما توعدون أم بعيد ، ولكنه أخر مراعاة لرؤوس الآي{[29973]} . و «مَا تُوعَدُونَ » يجوز أن يكون مبتدأ وما قبله خبر عنه ومعطوف عليه ، وجوّز أبو البقاء فيه أن يرتفع فاعلاً ب «قَرِيبٌ » قال : لأنه اعتمد على الهمزة . قال : ويخرج على قول البصريين أن يرتفع ب «بَعِيدٌ » لأنه أقرب إليه{[29974]} . يعني أنه يجوز أن تكون المسألة من التنازع فإِن كُلاًّ من الوصفين يصح تسلطه على «مَا تُوعَدُونَ » من حيث المعنى .
المعنى{[29975]} : وما أدري أقريب أم بعيد ما توعدون ، يعني : القيامة أو من عذاب الدنيا . وقيل : الذي آذنهم به من الحرب لا يعلم هو قريب أم بعيد لئلا يقدر أن يتأخر ، وذلك أنَّ السورة مكية ، وكان الأمر بالجهاد بعد الهجرة . وقيل : ما يوعدون من غلبة المسلمين عليهم{[29976]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.