اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَٰلَ رَبِّ ٱحۡكُم بِٱلۡحَقِّۗ وَرَبُّنَا ٱلرَّحۡمَٰنُ ٱلۡمُسۡتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ} (112)

قوله : { قل رب احكم } قرأ حفص عن عاصم { قَالَ رَبِّ } خبراً عن الرسول -عليه السلام-{[29985]} والباقون : «قُلْ » على الأمر{[29986]} . وقرأ العامة بكسر الباء اجتزاءً بالكسرة عن ياء الإضافة وهي الفصحى{[29987]} . وقرأ أبو جعفر بضم الباء ، فقال صاحب اجتزاءً بالكسرة عن ياء الإضافة وهي الفصحى . وقرأ بضم الباء{[29988]} ، فقال صاحب اللوامح : إنه منادى مفرد ، ثم قال : وحذف حرف النداء فيما يكون وصفاً ل ( أيّ ) بعيد بابه الشعر{[29989]} . قال شهاب الدين : وليس هذا من المنادى المفرد ، بل نصّ بعضهم على أن بعض اللغات الجائزة في المضاف إلى ياء المتكلم حال ندائه{[29990]} . وقرأ العامة «احْكُمْ » على صورة الأمر .

وقرأ ابن عباس وعكرمة وابن يعمر «رَبِّي » بسكون الياء «أَحْكَمَ » أفعل تفضيل ، فهما مبتدأ وخبر{[29991]} . وقرئ " أحكم " بفتح الميم كأكرم على أنه فعل ماض في محل خبر أيضاً ل «رَبِّي »{[29992]} وقرأ العامة «تَصِفُونَ » بالخطاب{[29993]} .

وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبيّ -رضي الله عنه- «يَصفُون » بالياء من تحت وهي مروية أيضاً عن عاصم وابن عامر{[29994]} ، والغيبة والخطاب واضحان .

فصل

المعنى : رب اقض بيني وبين قومي بالحق أي : بالعذاب ، والحق ههنا العذاب ، نظيره : { رَبَّنَا افتح بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بالحق }{[29995]} فلا جرم حكم الله تعالى عليهم بالقتل يوم بدر{[29996]} . وقال أهل المعاني : رب احكم بحكمك الحق فحذف الحكم وأقيم الحق مقامه{[29997]} . والله يحكم بالحق طلب أو لم يطلب ، ومعنى الطلب : ظهور الرغبة من الطالب للحق{[29998]} . وقيل : المعنى : افصل بيني وبينهم بما يظهر الحق للجميع ، وهو أن تنصرني عليهم{[29999]} . { وَرَبُّنَا الرحمن المستعان على مَا تَصِفُونَ } من الكذب والباطل . وقيل : كانوا يطمعون أن يكون لهم الشوكة والغلبة ، فكذب الله ظنونهم ، وخيب آمالهم ، ونصر رسوله والمؤمنين{[30000]} .

ختام السورة:

فصل

روي عن أُبيّ بن كعب قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «من قرأ سورة { اقترب لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ } حاسبه الله حساباً يسيراً وصافحه وسلم عليه كل نبي ذكر اسمه في القرآن »{[1]} .


[1]:في النسختين تقدم. وندم تصحيح من الرازي. وانظر تصحيح ذلك وغيره في تفسير الإمام 28/117.
[29985]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[29986]:السبعة 431-432، الكشف 2/115، النشر 2/325، الإتحاف 312.
[29987]:المضاف إلى ياء المتكلم الصحيح الآخر حال ندائه يجوز فيه لغات الأفصح والأكثر من هذه اللغات حذف الياء، والاكتفاء بالكسرة كما هنا ثم ثبوتها ساكنة نحو {يا عبادي لا خوف عليكم} [الزخرف: 68]، ثم ثبوتها مفتوحة نحو {يا عبادي الذين أسرفوا} [الزمر: 53]، ثم قلب الكسرة فتحة والياء ألفا نحو {يا حسرتا} [الزمر: 56] ثم حذف الألف والاجتزاء بالفتحة فأجازها الأخفش والمازني والفارسي كقوله: ولست براجع ما فات مني *** بلهف ولا بليت ولا لو آني أصله: بقولي يا لهفا، ونقل عن الأكثرين المنع. وذكروا أيضا لغة سادسة، وهي الاكتفاء عن الإضافة بنيتها، وجعل الاسم مضموما كالمنادى المفرد، حكى يونس عن بعض العرب يا أم لا تفعلي، وبعض العرب يقولون: يا رب اغفر لي، ويا قوم لا تفعلوا. شرح الأشموني 3/155-156.
[29988]:المختصر (93)، المحتسب 2/69، البحر المحيط 6/345، الإتحاف 312.
[29989]:انظر البحر المحيط 6/345.
[29990]:الدر المصون: 5/62.
[29991]:فيكون قوله "ربي" على هذه القراءة في موضع رفع. المختصر (93)، المحتسب 2/71، التبيان 2/930، البحر المحيط 6/345.
[29992]:المختصر (93)، البحر المحيط 6/345.
[29993]:السبعة (432)، البحرالمحيط 6/345.
[29994]:الدر المصون: 5/62.
[29995]:من قوله تعالى: {ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين} [الأعراف: 89].
[29996]:انظر الفخر الرازي 22/233-234.
[29997]:انظر القرطبي 11/351.
[29998]:انظر البغوي 5/545.
[29999]:انظر الفخر الرازي 22/234.
[30000]:المرجع السابق.