اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لَوۡ كَانَ هَـٰٓؤُلَآءِ ءَالِهَةٗ مَّا وَرَدُوهَاۖ وَكُلّٞ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (99)

قوله تعالى :

{ لَوْ كَانَ هؤلاء آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا } اعلم أنّ قوله{[29752]} : { وَمَا تَعْبُدُونَ } بالأصنام أليق ، لدخول لفظ «مَا » وهذا الكلام بالشياطين أليق ، لقوله : «هَؤُلاَءِ » ويحتمل أن يريد الشياطين والأصنام وغلب العقلاء{[29753]} ونبه الله - تعالى - على أنه مَنْ{[29754]} يرمي في النار لا يمكن أن يكون إلها . قال ابن الخطيب : وهنا سؤال ، وهو أنّ قوله { لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها } لكنهم وردوها ، فهم ليسوا آلهة ، وهذه{[29755]} الحجة إما أن يكون ذكرها لنفسه أو لغيره ، فإن ذكرها لنفسه فلا فائدة فيه ، لأنه كان عالماً بأنها ليست آلهة ، وإن ذكرها لغيره فإما أن يذكرها لمن يُصَدق بنبوته ، ( أو ذكرها لمن يُكَذّب بنبوته ){[29756]} فإن ذكرها لِمَنْ يُصَدّق بنبوته فلا حاجة إلى هذه الحجة ، لأنّ كل مَنْ صدق{[29757]} بنبوته{[29758]} لم يقل بالإهية هذه الأصنام{[29759]} ، وإن ذكرها لمن كذب بنبوته فذلك المكذب لا يسلم أنّ تلك الآلهة يردون النار ، فكان ذكر هذه الحجة لا فائدة فيه كيف كان .

وأيضاً فالقائلون بإلاهيتها لم يعتقدوا إلا كونها تماثيل الكواكب أو صورة الشفعاء ، وذلك لا يمنع من دخولها النار . وأجيب عن ذلك بأن{[29760]} المفسرين قالوا : المعنى لو كان هؤلاء - يعني الأصنام- آلهة على الحقيقة ما وردوها ، أي : ما دخل عابدوها النار{[29761]} .

قوله : { آلِهَةٌ } العامة على النصب خبراً ل «كَانَ »{[29762]} . وقرأ طلحة بالرفع{[29763]} وتخريجها كتخريج قوله :

3740- إذَا مُتَّ كَانَ النَّاسُ صِنْفَانِ{[29764]} *** . . .

ففيها ضمير الشأن{[29765]} .

قوله : { وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ } يعني : العابدين والمعبودين ، وهو تفسير{[29766]} لقوله : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله }{[29767]} .


[29752]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 22/224-225.
[29753]:انظر استعمال (ما) قبل صفحات.
[29754]:من: سقط من ب.
[29755]:في الأصل: هذه.
[29756]:ما بين القوسين سقط من ب.
[29757]:في ب: يصدق.
[29758]:في الأصل: نبوته.
[29759]:الأصنام: سقط من ب.
[29760]:في ب: فإن. وهو تحريف.
[29761]:آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي 22/224،225.
[29762]:انظر البحر المحيط 6/340.
[29763]:المرجع السابق.
[29764]:جزء بيت من بحر الطويل قاله العجير السلولي، والبيت بتمامه: إذ متُّ كان الناس صنفان شامت *** وآخر مثن بالذي كنت أصنع وقد تقدم.
[29765]:أي أن اسم (كان) ضمير الشأن مضمر فيها، وجملة "هؤلاء آلهة" من المبتدأ والخبر في محل نصب خبر لـ (كان)، وهي مفسرة لضمير الشأن. والتقدير: لو كان الشأن هؤلاء آلهة. وضمير الشأن يضمر في باب (كان) كما هنا، وباب (كاد) نحو قوله تعالى: {من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم} [التوبة: 117] في قراءة "يزيغ" بالتحتية وهي قراءة حمزة وحفص عن عاصم. السبعة (319). ويبرز مبتدأ نحو {قل هو الله أحد} [الإخلاص: 1] واسم (ما) كقول الشاعر: وما هو من يأسو الكلوم ويتقى *** به نائبات الدهر كالدائم النجل ويبرز منصوبا في بابي (أنّ) نحو {وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا} [الجن: 19]. و(ظن) نحو قول الشاعر: علمته الحق لا يخفى على أحد *** ....... انظر البحر المحيط 6/340، الهمع 1/67.
[29766]:في ب: وهذا التفسير.
[29767]:انظر الفخر الرازي 22/225.