قوله :{ واقترب الوعد الحق } . المراد بالوعد وهو يوم القيامة .
( وسمي الموعود وعداً تجوّزا . قال الفراء وجماعة : الواو في قوله : «وَاقْتَرَبَ » مقحمة معناه : حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج اقترب الوعد الحق ، كقوله : { فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ }{[29679]} أي : ناديناه{[29680]} . ويدل عليه ما روى حذيفة قال : لو أنَّ رجلاً اقتنى فُلُّوا{[29681]} بعد خروج يأجوج ومأجوج لم يركبه حتى تقوم الساعة{[29682]} .
وقال قوم : لا يجوز طرح الواو ، وجعلوا جواب { حتى إِذَا فُتِحَتْ } في قوله : «يَا وَيْلَنَا » يكون مجازاً لأنّ التقدير : حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج واقترب الوعد الحق قالوا يا ويلنا قد كنا في غفلة ){[29683]} .
قوله : { فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ } «إذَا » هنا للمفاجأة ، و «هِيَ »{[29684]} فيها أوجه :
أجودها : أن يكون ضمير القصة ، و «شَاخِصَةٌ » خبر مقدم ، و «أَبْصَارُ » مبتدأ مؤخر ، والجملة خبر ل «هِيَ » ، لأنها لا تفسر إلا بجملة مصرح بخبرها ، وهذا مذهب البصريين{[29685]} .
الثاني : أن تكون «شَاخِصَةٌ » مبتدأ ، و «أَبْصَارُ » فاعل سد مسد الخبر ، وهذا يتمشى على رأي الكوفيين ، لأن ضمير القصة يفسر عندهم بالمفرد العامل عمل الفعل فإنه في قوة الجملة{[29686]} .
الثالث : قال الزمخشري : «هِيَ » ضمير مبهم يوضحه الأبصار ويفسره كما فسر «الَّذِينَ ظَلَمُوا » «وَأَسَرُّوا »{[29687]} . ولم يذكر غيره . قال شهاب الدين : وهذا قول الفراء ، فإنه قال في ضمير الأبصار : تقدمت لدلالة{[29688]} الكلام ومجيء ما يفسرها ، وأنشد شاهداً على ذلك :
3737- فَلاَ وَأَبِيهَا لا تَقُولُ خَلِيلَتِي *** أَلاَ فَرَّ عَنِّي مَالِكُ بْنُ أَبِي كَعْبِ{[29689]} {[29690]}
الرابع : أن تكون «هِيَ » عماداً{[29691]} ، وهو قول الفراء أيضاً قال : لأنه يصلح موضعها هو ، فتكون كقوله : { إِنَّهُ أَنَا الله }{[29692]} ومثله : { فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبصار }{[29693]} وأنشد :
3738- بِثَوب ودينارٍ وشاة ودرهم *** فَهَلْ هُوَ مَرْفُوع بِمَا هَاهُنَا رَاس{[29694]}
وهذا لا يتمشى إلا على أحد قولي الكسائي ، وهو أنه يجيز تقدم الفصل مع الخبر المتقدم نحو : هو خير منك{[29695]} زيد . الأصل زيد هو خير منك . وقال أبو حيان : أجاز هو القائم زيد ، على أنَّ زيداً هو المبتدأ ، والقائم خبره ، وهو عماد ، وأصل المسألة : زيد هو القائم{[29696]} .
قال شهاب الدين : وفي التمثيل نظر ، لأنّ تقديم الخبر هنا ممتنع لاستهوائهما في التعريف بخلاف المثال المتقدم{[29697]} . فيكون أصل الآية الكريمة : فإذا أبصار الذين كفروا هي شاخصة ، فلما قدم الخبر ، «شَاخِصَة » ، قدم معها العماد .
وهذا أيضاً إنما يجيء على مذهب من يرى وقوع العماد قبل النكرة غير المقارنة للمعرفة{[29698]} .
الخامس : أن تكون «هِيَ » مبتدأ وخبره مضمر ، فيتم الكلام حينئذ على «هِيَ » ويبتدأ بقوله : { شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ } ، والتقدير : فإذا هي بارزة ، أي : الساعة بارزة أو حاضرة و «شَاخِصَةٌ » خبر مقدم ، و «أَبْصَارُ » مبتدأ مؤخر . ذكره الثعلبي{[29699]} .
وهو بعيد جداً لتنافر التركيب ، وهو التعقيد عند علماء البيان{[29700]} .
قوله : { يَا وَيْلَنَا } معمول لقول محذوف ، أي : يقولون يَا وَيْلَنَا{[29701]} . وفي هذا القول المحذوف وجهان :
أحدهما : أنه جواب «حتى إذا » كما تقدم{[29702]} .
والثاني : في محل تصب على الحال من { الذين كَفَرُواْ } قاله الزمخشري{[29703]} .
قوله : { قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هذا } يعني في الدنيا حيث كذبناه وقلنا{[29704]} : إنه غير كائن ، بل كنا ظالمين أنفسنا بتلك الغفلة وتكذيب محمد ، وعبادة الأوثان{[29705]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.