{ حتى إِذَا فُتِحَتْ } الآية . تقدم الكلام على ( حَتَّى ) الداخلة على ( إذا ) مشبعاً{[29635]} . وقال الزمخشري هنا : فإن قُلْت : بم تعلقت ( حَتَّى ) واقعة غاية له وأية الثلاث هي ؟ قلت : هي{[29636]} متعلقة ب «حَرَام » وهي غاية له ، لأن امتناع رجوعهم لا يزول حتى تقوم القيامة ، وهي حتى التي يحكى بعدها الكلام ، والكلام المحكي هو الجملة من الشرط والجزاء أعني : إذا وما في حيزها{[29637]} . وأبو البقاء نحا هذا النحو ، فقال : و «حَتَّى » متعلقة في المعنى ب «حَرَام » . أي : يستمر الامتناع إلى هذا الوقت ، ولا عمل لها في «إذَا »{[29638]} . قال الحوفي : هي غاية ، والعامل فيها ما دل عليه المعنى من تأسفهم على ما فرطوا فيه من الطاعة حين فاتهم الاستدراك{[29639]} . وقال ابن عطية : «حَتَّى » متعلقة بقوله : «وَتَقَطَّعُوا »{[29640]} ، ويحتمل على بعض التأويلات المتقدمة أن تتعلق ب «يَرْجِعُونَ » ، ويحتمل أن تكون حرف ابتداء ، وهو الأظهر بسبب ( إذا ) لأنها تقتضي جواباً للمقصود ذكره{[29641]} .
قال أبو حيان : وكون ( حَتَّى ) متعلقة ب «تَقَطَّعُوا » فيه من بعد حيث كثرة الفصل لكنه من حيث المعنى جَيِّد ، وهو أنهم لا يزالون مختلفين على دين الحق إلى قرب{[29642]} مجيء الساعة ، فإذا جاءت الساعة انقطع ذلك كله{[29643]} . وتلخص في تعلق ( حَتَّى ) أوجه :
أحدها : أنها متعلقة ب «حَرَام »{[29644]} .
والثاني : أنها متعلقة بمحذوف دلَّ عليه المعنى ، وهو قول الحوفي .
الثالث : أنها متعلقة ب «تَقَطَّعُوا » .
الرابع : أنها متعلقة ب «يَرْجِعُونَ »{[29645]} .
أحدها : أنَّها حرف ابتداء ، وهو قول الزمخشري وابن عطية فيما اختاره .
والثاني : إنها حرف جر بمعنى ( إلى ){[29646]} .
وقرأ «فُتِّحَتْ » بالتشديد ابن عامر ، والباقون بالتخفيف{[29647]} . وتقدم ذلك أول الأنعام{[29648]} وفي جواب «إذَا » أوجه :
أحدها : أنه محذوف ، فقدره أبو إسحاق : قالوا يا ويلنا{[29649]} ، وقدره غيره ، فحينئذ يبعثون ، وقوله : { فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ } عطف على هذا المقدر{[29650]} .
والثاني : أنَّ جوابها الفاء في قوله : «فَإِذَا هِيَ »{[29651]} قاله الحوفي والزمخشري وابن عطية ، فقال الزمخشري : و «إذا » هي للمفاجأة ، وهي تقع في المجازاة سادة مسد الفاء كقوله تعالى : { إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ }{[29652]} ، فَإِذَا جاءت الفاء معها تعاونتا على وصل الجزاء بالشرط فيتأكد ، ولو قيل : ( إذَا هِيَ شَاخِصَةٌ ) كان سديداً{[29653]} .
وقال{[29654]} ابن عطية : والذي أقول : إنَّ الجواب في قوله : { فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ } وهذا هو المعنى الذي قصد ذكره ، لأنه رجوعهم الذي كانوا يكذبون به وحرم عليهم امتناعه{[29655]} .
وقوله : { يَأْجُوج } هو على حذف مضاف ، أي سدّ يأجوج ومأجوج{[29656]} ، وتقدم الكلام فيهما{[29657]} وهما قبيلتان{[29658]} من جنس الإنس ، يقال : الناس عشرة أجزاء تسعة أجزاء منها يأجوج ومأجوج يخرجون حيت يفتح السد .
قيل : السد يفتحه الله ابتداء . وقيل : بل إذا جعل الله الأرض دكاً زالت تلك الصلابة من أجزاء الأرض فحينئذ ينفتح{[29659]} السد{[29660]} .
قوله : { وَهُمْ } قال أكثر المفسرين : «هُم » كناية عن «يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ » .
وقال مجاهد : كناية عن جميع العالم بأسرهم أي : يخرجون من قبورهم ، ومن كل موضع ، فيحشرون إلى موقف الحساب .
والأول أظهر وإلا لتكلف النظم ، ولأنه روي في الخبر أن يأجوج ومأجوج لا بدَّ وأن يسيروا في الأرض ، ويقبلوا على الناس من كل موضع مرتفع{[29661]} . وقرأ العامة «يَنْسِلُونَ » بكسر السين . وأبو السمال وابن أبي إسحاق بضمها{[29662]} . والحَدَب : النشز من الأرض . أي : المرتفع ، ومنه الحدب في الظهر ، وكل كُدْيَة{[29663]} أو أَكْمَةٍ{[29664]} فهي حدبة ، وبها سمي القبر لظهوره على وجه الأرض{[29665]} والنَّسَلاَنُ : مقاربة الخطا مع الإسراع كالرملِ يقال : نَسَلَ يَنْسِلُ وَيَنْسُلُ بالفتح في الماضي والكسر والضمّ في المضارع{[29666]} ، ونَسَلَ وعَسَلَ واحد{[29667]} قال الشاعر :
3736- عَسَلاَنَ الذئبِ أَمْسَى قَارِباً *** بَرَدَ اللَّيْلُ عَلَيْهِ فَنَسَلْ{[29668]}
والنَّسْلُ من ذلك ، وهو الذُّرّيةُ ، أطلق المصدر على المفعول ، ونَسَلْتُ ريشَ الطائِر من ذلك . وقدم الجار على متعلقة لتراخي رؤوس الآي .
وقرأ عبد الله وابن عباس : «جَدَث » بالثاء المثلثة والجيم{[29669]} اعتباراً بقوله :
{ فَإِذَا هُم مِّنَ الأجداث إلى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ }{[29670]} . وقرئ بالفاء ، وهي بدل منها{[29671]} قال الزمخشري : الثاء للحجاز{[29672]} ، والفاء لتميم{[29673]} . وينبغي أن يكونا أصلين ، لأنَّ كلاّ منهما لغة مستقلة{[29674]} ، ولكن كثر إبدال الثاء من الفاء ، قالوا مغثور في مغفور ، وقالوا فُمَّّ في ثُمَّ ، فأبدلت هذه من هذه تارة ، وهذه من هذه أخرى{[29675]} .
( روى حذيفة بن أسد الغفاري{[29676]} قال : اطلع النبي - صلى الله عليه وسلم - علينا ونحن نتذاكر ، فقال : «مَا تَذْكُرُونَ ؟ » قالوا : نذكر الساعة قال : إنها لن تقوم حَتى تَرَوْا قَبْلَهَا عَشْرَ آيات فذكر الدجال ، والدابة ، وطلوع الشمس من مغربها ، ونزول عيسى ابن مريم ، ويأجوج ومأجوج ، وثلاثة خسوف ، خسف بالمشرق ، وخسف بالمغرب ، وخسف بجزيرة العرب ، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم{[29677]} ){[29678]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.