اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱلَّذِينَ يُؤۡتُونَ مَآ ءَاتَواْ وَّقُلُوبُهُمۡ وَجِلَةٌ أَنَّهُمۡ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ رَٰجِعُونَ} (60)

قوله : { والذين يُؤْتُونَ مَا آتَواْ } العامة على أنه من الإيتاء ، أي : يعطون ما أعطوا{[33042]} .

وقرأت عائشة وابن عباس والحسن والأعمش : «يَأَتُونَ مَا أَتَوْا »{[33043]} من الإتيان ، أي : يفعلون ما فعلوا من الطاعات{[33044]} . واقتصر أبو البقاء في ذكر الخلاف على «أَتَوْا » فقط{[33045]} ، وليس بجيّد ، لأنّه يوهم أن من قرأ «أَتَوْا » بالقصر قرأ «يُؤْتُونَ » من الرباعي وليس كذلك .

قوله : { وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ } هذه الجملة حال من فاعل «يُؤْتُونَ » ، فالواو للحال ، والمعنى : يعطون ما أعطوه ، ويدخل فيه كل حق يلزم إيتاؤه سواء كان من حقوق الله كالزكوات ، والكفارات وغيرها{[33046]} . أو من حقوق الآدميين ، كالودائع ، والديون وأصناف الإنصاف والعدل . وبيّن أن ذلك إنما ينفع إذا فعلوه «وقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ » ، أي : إنهم يقدمون على العبادة على وجل{[33047]} من تقصير وإخلال بنقصان {[33048]} .

«روي أن عائشة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : { والذين يُؤْتُونَ مَا آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ } أهو الذي يزني ، ويشرب الخمر ، ويسرق وهو على ذلك يخاف الله ؟ فقال عليه السلام{[33049]} : «لا يا بنت الصديق ، ولكن هو الرجل يصلي ويصوم ويتصدق ، وهو على ذلك يخاف الله »{[33050]} قوله : «أنَّهُمْ » يجوز أن يكون التقدير : وجلة مِنْ أنَّهُمْ{[33051]} أي : خائفة من رجوعهم إلى ربّهم . ويجوز أن يكون : لأنهم{[33052]} أي : سبب الوجل الرجوع إلى ربهم .


[33042]:انظر تفسير ابن عطية 10/370، البحر المحيط 6/410.
[33043]:المختصر (98)، المحتسب 2/95 تفسير ابن عطية 10/371، البحر المحيط 6/410.
[33044]:انظر البحر المحيط 6/410.
[33045]:قال أبو البقاء: "ويقرأ: "أتوا" بالقصر، أي: ما جاؤوه) التبيان 2/957.
[33046]:في ب: أو غيرها.
[33047]:في ب: وجه. وهو تحريف.
[33048]:انظر الفخر الرازي 23/108.
[33049]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[33050]:أخرجه الترمذي (التفسير) 5/9، والإمام أحمد في مسنده 6/159، 205، وذكره السيوطي في الدر المنثور 5/11.
[33051]:انظر معاني القرآن للفراء 2/238، تفسير ابن عطية 10/374، التبيان 2/958.
[33052]:تفسير ابن عطية 10/374، البحر المحيط 6/410.