اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلۡحَقُّ أَهۡوَآءَهُمۡ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَن فِيهِنَّۚ بَلۡ أَتَيۡنَٰهُم بِذِكۡرِهِمۡ فَهُمۡ عَن ذِكۡرِهِم مُّعۡرِضُونَ} (71)

قوله : { وَلَوِ اتبع الحق أَهْوَاءَهُمْ } الجمهور على كسر الواو لالتقاء الساكنين وابن وثّاب بضمها{[33186]} تشبيهاً بواو الضمير كما كُسرتْ واو الضمير تشبيهاً بها {[33187]} .

فصل

قال ابن جريج ومقاتل والسّدّيّ وجماعة : الحق هو الله . أي : لو اتبع الله مرادهم فيما يفعل{[33188]} وقيل : لو اتبع مرادهم ، فيسمّي لنفسه شريكاً وولداً كما يقولون { لَفَسَدَتِ السماوات والأرض }{[33189]} .

وقال الفراء{[33190]} والزجاج{[33191]} : المراد بالحق : القرآن . أي : نزل القرآن بما يحبون من جعل الشريك والولد على ما يعتقدون { لَفَسَدَتِ السماوات والأرض وَمَن فِيهِنَّ } وهو كقوله : { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا{[33192]} } {[33193]} [ الأنبياء : 22 ] .

قوله : { بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ } العامة على إسناد الفعل إلى ضمير المتكلم المعظم نفسه ، والمراد أتتهم رسلنا{[33194]} . وقرأ أبو عمرو في رواية «آتَيْنَاهُمْ » بالمد أي أعطيناهم{[33195]} ، فيحتمل أن يكون المفعول الثاني غير مذكور ، ويحتمل أن يكون «بِذِكْرِهِمْ » والباء مزيدة فيه وابن أبي إسحاق وعيسى بن عمر وأبو عمرو أيضاً «أَتَيْتهمْ » بتاء المتكلم وحده{[33196]} . وأبو البرهثم وأبو حيوة والجحدري وأبو رجاء «أَتَيْتَهُمْ » بتاء الخطاب{[33197]} ، وهو الرسول - عليه السلام{[33198]} - .

وعيسى : «بِذِكْرَاهُم » بألف التأنيث{[33199]} . وقتادة «نُذَكِّرهُمْ » بنون المتكلم المعظم نفسه مكان باء الجر مضارع ( ذَكَّر ) المشدد{[33200]} ، ويكون ( نُذكرُهُمْ ) جملة حالية .

وتقدم الكلام في «خَرْجاً » و «خَرَاجاً » في : الكهف {[33201]} .

فصل

قال ابن عباس : { بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ } بما فيه فخرهم وشرفهم . يعني : القرآن ، فهو كقوله : { لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ }{[33202]} [ الأنبياء : 10 ] أي : شرفكم ، { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ }{[33203]} [ الزخرف : 44 ] أي : شرف لك ولقومك { فَهُمْ عَن ذِكْرِهِمْ } شرفهم «معرِضون » {[33204]} .

وقيل : الذكر هو الوعظ والتذكير{[33205]} التحذير{[33206]} .


[33186]:المختصر (98)، المحتسب 2/97، تفسير ابن عطية 10/385، البحر المحيط 6/414.
[33187]:في قوله تعالى: {اشتروا الضلالة} [البقرة: 16] على أن بعضهم قد شبه واو الجمع في "اشتروا" بواو "لو اتبع" هذه وحركها بالكسر، فقرأ يحيى بن يعمر "اشتروا الضلالة" بكسر الواو. انظر المختصر (2)، المحتسب 2/97.
[33188]:انظر البغوي 6/30.
[33189]:المرجع السابق.
[33190]:قال الفراء: (وقوله: "ولو اتبع الحق أهواءهم" يقال: "إن الحق" هو الله. ويقال: إنه التنزيل، لو نزل بما يريدون "لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن") معاني القرآن 2/239.
[33191]:قال الزجاج: (وقوله: "ولو اتبع الحق أهواءهم" جاء في التفسير أن "الحق" هو الله – عز وجل- ويجوز أن يكون "الحق" الأول في قوله: "بل جاءهم الحق" التنزيل، أي: بالتنزيل الذي هو الحق، ويكون تأويل: "ولو اتبع الحق أهواءهم" أي: لو كان التنزيل بما يحبون لفسدت السماوات والأرض) معاني القرآن وإعرابه 4/19.
[33192]:[الأنبياء: 22].
[33193]:انظر البغوي 6/30 – 31.
[33194]:تفسير ابن عطية 10/385، البحر المحيط 6/414.
[33195]:المرجعان السابقان.
[33196]:المختصر (98)، المحتسب 2/98، تفسير ابن عطية 10/385 البحر المحيط 6/414.
[33197]:المراجع السابقة.
[33198]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[33199]:المختصر (98)، البحر المحيط 6/414.
[33200]:تفسير ابن عطية 10/385، البحر المحيط 6/414.
[33201]:عند قوله تعالى: {قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا} [الكهف: 94].
[33202]:[الأنبياء: 10].
[33203]:[الزخرف: 44].
[33204]:انظر البغوي 6/31.
[33205]:التذكير: سقط من ب.
[33206]:انظر الفخر الرازي 23/113.