اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَإِذَآ أُلۡقُواْ مِنۡهَا مَكَانٗا ضَيِّقٗا مُّقَرَّنِينَ دَعَوۡاْ هُنَالِكَ ثُبُورٗا} (13)

قوله : { وَإَذَا أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً } . «مَكَاناً » منصوب على الظرف{[35466]} ، و «منها » في محل نصب على الحال من «مكاناً » . لأنه في الأصل صفة له{[35467]} . و«مُقَرَّنينَ » حال من مفعول «أُلْقُوا »{[35468]} ، و«ثُبُوراً » مفعول به{[35469]} ، فيقولون : واثبوراه{[35470]} ، ويجوز أن يكون مصدراً من معنى «دعوا »{[35471]} ، وقيل : منصوب بفعل من لفظه مقدر تقديره ثبرنا ثبوراً{[35472]} .

وقرأ معاذ بن جبل «مُقَرَّنُونَ » بالواو{[35473]} ، ووجهها{[35474]} أن تكون بدلاً من مفعول «أُلْقُوا »{[35475]} وقرأ عمرو{[35476]} بن محمد{[35477]} «ثَبُوراً » بفتح الثاء{[35478]} ، والمصادر التي على ( فعول ) بالفتح قليلة جداً{[35479]} ، وينبغي أن يضم هذا إليها ، وهي مذكورة في البقرة عند قوله { وَقُودُهَا الناس }{[35480]} [ البقرة : 24 ] .

فصل

قال ابن عباس : يُضَيق جهنم عليهم كما يضيق الزج{[35481]} على الرمح ، وهو منقول أيضاً عن ابن عمر{[35482]} . وسئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقال : «إِنَّهُمْ يُسْتَكْرَهُونَ في النار كما يُسْتَكْرَه الوتد في الحائط »{[35483]} .

قال الكلبي : الأسفلون يرفعهم اللهب والأعلون يخفضهم{[35484]} الداخلون فيزدحمون في تلك الأبواب{[35485]} . قال الزمخشري : الكرب مع الضيق كما أن الفرج{[35486]} مع السعة ، ولذلك وصف الجنة بأن عرضها السموات والأرض{[35487]} .

وقوله : «مُقَرَّنِينَ » ( أي : مصفدين{[35488]} قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال{[35489]} . وقيل : مقرنين ){[35490]} مع الشياطين في السلاسل ، كل كافر مع شيطان ، فعندما يشاهدون{[35491]} هذا العذاب دعوا بالويل والثبور{[35492]} .

قال ابن عباس : يقولون : ويلاً{[35493]} . وقال الضحاك : هلاكاً{[35494]} . فيقولون : واثبوراه فهذا حينك وزمانك ، فيقال لهم : { لاَّ تَدْعُواْ اليوم ثُبُوراً وَاحِداً وادعوا ثُبُوراً كَثِيراً } .


[35466]:انظر التبيان 2/981، البحر المحيط 6/485.
[35467]:انظر التبيان 2/981.
[35468]:انظر البحر المحيط 6/485.
[35469]:انظر التبيان 2/981.
[35470]:في ب: يا ثبوراه.
[35471]:انظر التبيان 2/981.
[35472]:انظر البحر المحيط 6/485.
[35473]:المختصر (104).
[35474]:في ب: وجهها.
[35475]:الذي ناب عن الفاعل وهو بدل نكرة من معرفة. البحر المحيط 6/485.
[35476]:كما في البحر المحيط وفي المختصر: عمر.
[35477]:هو عمرو بن محمد بن برزة أبو جعفر الأصبهاني، روى القراءة عرضا عن أبي عمرو الدوري، روى القراءة عنه عرضا محمد بن يعقوب المعدل، وغيره، وذكره ابن أشتة فقال فيه عمرو. طبقات القراء 1/596.
[35478]:المختصر (104)، البحر المحيط 6/485.
[35479]:قال سيبويه: (هذا باب ما جاء من المصادر على فعول، وذلك قولك توضأت وضوءا حسنا، وأولعت به ولوعا، وسمعنا من العرب من يقول: وقدت النار عاليا، وقبله قبولا، والوقود أكثر. والوقود الحطب، وتقول: إن على فلان لقبولا، فهذا مفتوح) الكتاب 3/42.
[35480]:[البقرة: 24]. وذكره هناك: "وقودها" بفتح الواو، أي ما توقد به، وأما بضمها فهو المصدر، هذه التفرقة على المشهور في أن المفتوح اسم للآلة والمضموم مصدر، وبعضهم قال: كل من الفتح والضم يجري في الآلة والمصدر، فما توقد به النار يقال له: وقود بالفتح والضم وإيقادها كذلك، وكذا يقال في الوضوء والسحور والطهور ونحو ذلك. انظر اللباب 1/88.
[35481]:الزج: الحديدة التي تركب في أسفل الرمح، والجمع أزجاج وأزجة وزجاج وزججة. اللسان (زجج).
[35482]:انظر الفخر الرازي 24/64.
[35483]:أخرجه ابن أبي حاتم عن يحيى بن أسيد. الدر المنثور 5/64.
[35484]:في النسختين: يحفظهم.
[35485]:انظر الفخر الرازي 24/56.
[35486]:في الكشاف: الروح.
[35487]:الكشاف 3/90.
[35488]:الصفد والصفاد: الشد. وصفده يصفده صفدا وصفودا وصفده: أوثقه وشده وقيده في الحديد وغيره. اللسان (صفد).
[35489]:انظر البغوي 6/126.
[35490]:ما بين القوسين سقط من ب.
[35491]:في النسختين: يشاهدوا.
[35492]:انظر الفخر الرازي 24/56.
[35493]:في ب: ويلاه. انظر البغوي 6/162.
[35494]:المرجع السابق.