قوله : «يَنْبَغِي » العامة على بنائه للفاعل ، وأبو عيسى الأسود القارئ{[35571]} «يُنْبَغَى » مبنيًّا للمفعول . قال ابن خالويه : زعم سيبويه أنَّ «يُنْبَغَى » لغة{[35572]} .
قوله : «أَنْ نَتَّخِذَ » فاعل «يَنْبَغِي » ، أو{[35573]} مفعول قائم مقام الفاعل في قراءة الأسود وقرأ العامة «نَتَّخِذَ » مبنيًّا للفاعل ، و «مِنْ أَوْلِيَاء » مفعوله وزيدت فيه ( مِنْ ) ويجوز أن يكون مفعولاً أوَّلَ{[35574]} على أن ( اتَّخَذَ ) متعدياً لاثنين{[35575]} .
ويجوز أن لا تكون المتعدية لاثنين بل لواحد ، فعلى هذا «مِنْ دُونِكَ » متعلق بالاتخاذ ، أو بمحذوف على أنه حال من «أَوْلِيَاء » .
وقرأ أبو الدرداء ، وزيد بن ثابت ، وأبو رجاء ، والحسن ، وأبو جعفر في آخرين : «نُتَّخَذَ » مبنيًّا للمفعول{[35576]} . وفيه أوجه :
أحدها : أنها المتعدية لاثنين ، فالأول : «هُمْ » ضمير الاثنين{[35577]} ، والثاني : قوله : «مِن أَوْلِيَاء » و «مِنْ » للتبعيض ، أي : ما كان ينبغي أن نتخذ بعض أولياء ، قاله الزمخشري{[35578]} .
الثاني : أنَّ{[35579]} «مِنْ أَوْلِيَاء » هو المفعول الثاني - ( أيضاً - إلاَّ أن «مِنْ » مزيدة في المفعول الثاني ) {[35580]} . وهذا مردود بأن «مِنْ » لا تزاد في المفعول الثاني إنما تزاد في الأول{[35581]} . قال ابن عطية : ويضعف هذه القراءة دخول «مِنْ » في قوله : «مِنْ أَوْلِيَاء » اعترض بذلك سعيد بن جبير وغيره{[35582]} . قال الزجاج : أخطأ من قرأ بفتح الخاء وضم النون ، لأنَّ «مِنْ » إنما تدخل في هذا الباب إذا كانت مفعولةً أولاً{[35583]} ولا تدخل{[35584]} على مفعول الحال ، تقول{[35585]} : ما اتخذت من أحدٍ ولياً ، ولا يجوز ما اتخذت أحداً من وليٍّ{[35586]} .
الثالث : أن يكون «مِنْ أَوْلِيَاء » في موضع الحال قاله ابن جني إلاَّ أنه قال : ودخلت «مِنْ » زيادة{[35587]} لمكان{[35588]} النفي المتقدم كقولك : ما اتخذت زيداً من وكيل{[35589]} . فظاهر هذا أنه جعل الجار والمجرور ( في موضع الحال ، وحينئذ يستحيل أن تكون «مِنْ » مزيدة ولكنه يريد أن هذا المجرور ) {[35590]} هو الحال نفسه و «مِنْ » مزيدة فيه إلاَّ أنه لا يحفظ زيادة «مِنْ » في الحال وإن كانت منفية وإنما حفظ زيادة الباء فيها على خلاف في ذلك{[35591]} . فإن قيل : هذه القراءة غير جائزة ، لأنه لا مدخل لهم في أن يتخذهم غيرهم أولياء . قلنا : المراد أنا لا نصلح لذلك ، فكيف ندعوهم إلى عبادتنا{[35592]} ؟ وقرأ الحجاج : نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ [ أولياء ]{[35593]} فبلغ عاصماً فقال : مَقَّتَ المُخْدجُ{[35594]} ، أو ما علم أنَّ فيها «مِنْ »{[35595]} .
أجابوا بقولهم : «سُبْحَانَكَ » . وفيه وجوه :
أحدها : أنه تعجب منهم ، تعجبوا مما قيل لهم ؛ لأنهم ملائكة ، والأنبياء معصومون فما أبعدهم عن الإضلال الذي هو مختصٌّ بإبليس وجنوده .
وثانيها : أنهم نطقوا ب «سُبْحَانَكَ » ليدلوا على أنهم المسبحون الموسومون{[35596]} بذلك ، فكيف يليق بحالهم أن يضلوا عباده .
وثالثها : قصدوا بالتسبيح تنزيهه عن الأنداد سواء كان المسبح وثناً أو نبياً أو ملكاً .
ورابعها : قصدوا تنزيهه أن يكون مقصوده من هذا السؤال استفادة علم أو إبراء من كان بريئاً من الجرم ، بل إنما سألهم تقريعاً للكفار وتوبيخاً لهم{[35597]} .
وقولهم : { مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ } .
معناه{[35598]} : إذا كنا{[35599]} لا نرى أن يتخذ من دونك ولياً ، فكيف ندعو غيرنا إلى ذلك ، أي ما كان لنا أن نأمرهم بعبادتنا ونحن نعبدك . وقيل : ما كان ينبغي لنا أن نكون أمثال الشياطين . وقيل : ما كان لنا أن نتخذ من دون رضاك من أولياء ، أي : إنا علمنا أنك لا ترضى بهذا فما فعلنا ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه . وقيل : قالت الملائكة : ( إنَّا وهم عبيدك ، ولا ينبغي لعبيدك أن يتخذوا من دون إذنك ولياً ولا حبيباً فضلاً عن أن يتخذ عبداً آخر إلهاً . وقيل : قالت الأصنام ){[35600]} : إنا لا يصلح منا أن نكون من العابدين فكيف يمكننا ادعاؤنا من المعبودين{[35601]} .
قوله : «وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ » . لمَّا تضمَّن كلامهم أنَّا لم نضلهم ولم نحملهم على الضلال حسن هذا الاستدراك ، وهو أن ذكروا سببه ، أي : أنعمت عليهم وتفضلت فجعلوا ذلك ذريعةً إلى ضلالهم عكس القضية . والمعنى متعتهم وآباءهم في الدنيا بطول العمر والصحة والنعمة{[35602]} . { حتى نَسُواْ الذكر } تركوا الموعظة والإيمان بالقرآن{[35603]} . وقيل : تركوا ذكرك وغفلوا عنه{[35604]} .
قوله : { وَكَانُواْ قَوْماً بُوراً } أي : هلكى غلب عليهم الشقاء والخذلان{[35605]} . و «بُوراً » يجوز فيه وجهان :
أحدهما : أنه جمع بائر كعائذ و{[35606]}عوذ{[35607]} .
والثاني : أنه مصدر في الأصل كالزور ، فيستوي فيه المفرد والمثنى والمجموع والمذكر والمؤنث ، وهو من البوار والهلاك{[35608]} .
وقيل من الفساد ، وهي{[35609]} لغة الأزد ، يقولون : بَارَتْ بِضَاعَتَهُ أي : فسدت ، وأمرنا بائر ، أي : فاسد ، {[35610]} وهذا معنى قولهم : كسدت البضاعة .
وقال الحسن : هو من قولهم : أرض بورٌ ، أي : لا نبات بها{[35611]} . وهذا يرجع إلى معنى الهلاك والفساد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.