اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالَ لَهُم مُّوسَىٰٓ أَلۡقُواْ مَآ أَنتُم مُّلۡقُونَ} (43)

قوله تعالى : { قَالَ لَهُمْ موسى أَلْقُوا ما أَنتُمْ مُلْقُونَ } . اعلم أنهم لما اجتمعوا كان لا بد من ابتداء موسى أو ابتدائهم ، ثم إنهم تواضعوا فقدّموه على أنفسهم ، وقالوا له : { إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَكُونَ نَحْنُ الملقين } [ الأعراف : 115 ] فلما تواضعوا له تواضع هو أيضاً لهم{[37095]} فقدمهم على نفسه ، وقال : { أَلْقُوا مَا أَنتُمْ مُلْقُونَ }{[37096]} . فإن قيل : كيف جاز لموسى - عليه السلام{[37097]} - أن يأمر السحرة بإلقاء الحبال والعصيّ ، وذلك سحر وتلبيس وكفر ، والأمر بمثله لا يجوز ؟ فالجواب : ليس ذلك بأمر ، لأن مراد موسى - عليه السلام{[37098]} - منهم أن يؤمنوا به ، ولا يقدموا{[37099]} على ما يجري مجرى المقاتلة ، وإذا ثبت ذلك وجب تأويل صيغة الأمر ، وفيه وجوه :

أحدها : أن ذلك الأمر كان مشروطاً ، والتقدير : ألقوا ما أنتم ملقون إن كنتم محقين ، كقوله : { فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِن مِثْلِهِ } [ البقرة : 23 ] أي : إن كنتم قادرين .

وثانيها : لما تعين ذلك طريقاً إلى كشف الشبهة صار جائزاً .

وثالثها : أَنَّ هذا ليس بأمر ، بل هو تهديد ، أي{[37100]} : إن فعلتم ذلك أتينا بما يبطله ، كقول القائل : «لئن رميتني لأفعلن ولأصنعن » ثم يفوق{[37101]} له السهم فيقول له : «ارم » فيكون ذلك منه تهديداً .

ورابعها : أنهم لما تواضعوا{[37102]} ( له ){[37103]} وقدموه على أنفسهم فقدمهم على نفسه رجاء أن يصير تواضعه سبباً لقبول الحق ، ولقد حصل ببركة ذلك التواضع ذلك المطلوب{[37104]} .


[37095]:في ب: هو لهم أيضاً.
[37096]:انظر الفخر الرازي 24/133.
[37097]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[37098]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[37099]:في ب: ولا يقدمون.
[37100]:في ب: أو. وهو تحريف.
[37101]:فاق السهم: وضع فوقه في الوتر ليرقى به. اللسان (فوق) المعجم الوسيط (فوق) 2/732.
[37102]:في الأصل: تواضعوه.
[37103]:له: تكمله من الفخر الرازي.
[37104]:انظر الفخر الرازي 24/133-134.