اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{۞ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعۡفٖ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ ضَعۡفٖ قُوَّةٗ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةٖ ضَعۡفٗا وَشَيۡبَةٗۚ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ وَهُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡقَدِيرُ} (54)

قوله : { الله الذي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ } لما أعاد دليل الآفاق بقوله : { الله الذي يُرْسِلُ الرّياح } أعاد دليلاً من دلائل الأنفس أيضاً وهو خلق الآدمي وذكر أحواله فقال : { خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ } أي ( بأذى{[42245]} ضعف ) كقوله : { أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِِنْ مَاءٍ مَهِينٍ } [ المرسلات : 20 ] ، وقرىء : «ضُعْف » بضم الضاد ، وفتحها{[42246]} ، فالضم لُغة قريش ، والفتح لغة تميم «من ضعف » أي من نطفة . وتقدم الكلام في القراءتين والفرق بينهما في الأنفال{[42247]} ، { ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً } ( أي{[42248]} ) من بعد ضعف الطفولية شباباً وهو وقت القوة { ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً } هَرَماً «وَشَيْبَةً » والشيبة هي تمام الضعف { يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ } .

( فإن قيل{[42249]} : ما الحكمة في قوله ههنا : { وَهُوَ العليم القدير } ) فقدم العلم على القدرة ، وقولِهِ من قبل : { وَهُوَ العزيز الحكيم } والعزة إشارة إلى كمال القدرة ، والحكمة إشارة إلى كمال العلم ، فقدم القدرة هناك على العلم ؟ ! .

فالجواب أن المذكور هناك الإعادة { وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ المثل الأعلى فِي السموات والأرض وَهُوَ العزيز الحكيم } لأن الإعادة بقوله : «كُنْ فَيَكُونَ » فالقدرة هناك أظهر وههنا المذكور الإبداء وهو أطوارٌ وأحوالٌ والعلم بكل حال حاصل فالعلم هَهُنا أظهر ثم إن قوله تعالى : { وَهُوَ العليم القدير } فيه تبشير وإنذار ؛ لأنه إذا كان عالماً بأحوال الخلق يكون عالماً بأحوال المخلوق فإن عملوا خيراً علمه{[42250]} ثم إذا كان قادراً فإذا علم الخير أثاب ، وإذا علم الشر عاقب ، ولما كان العلم بالأحوال قبل الإثابة والعقاب اللَّذَيْن هما بالقدرة ( والعلم{[42251]} ) قدم العِلم ، وأما الآية الأخرى فالعلم بتلك الأحوال قبل العقاب فقال : { وَهُوَ العزيز الحكيم } .


[42245]:سقط من "ب".
[42246]:وهي قراءة الجحدري انظر: القرطبي 14/46 والبحر المحيط 7/180 بنسبة هذه القراءة إلى الجمهور "ضعف" بضم الضاد وبالفتح إلى عاصم وحمزة.
[42247]:وهي الآية 66 "أن فيكم ضعفاً" فعاصم وحمزة وخلف بفتح الضاد وافقهم الأعمش بخلفه، والباقون بضمها وكلاهما مصدر، وقيل: الفتح في العقل والرأي، والضم في البدن، وقرأ أبو جعفر بفتح العين والمد والهمزة مفتوحة بلا تنوين جمعاً على فعلاء كظريف وظرفاء، ولا يصح- كما روى عن الهاشمي- من ضم الهمزة وقد وافق الهاشمي المطوعي والباقون بإسكان العين والتنوين بلا مطّ ولا همز. انظر: اللباب بتصرف 4/157.
[42248]:ساقط من "ب".
[42249]:ساقط من "ب" بأكمله.
[42250]:في تفسير الفخر الرازي "وإن عملوا شراً علمه" انظر: تفسير الفخر 25/136.
[42251]:زيادة على ما في تفسير الفخر الرازي 25/126.