قوله : { وَنُفِخَ فِي الصور } العامة على سكون الواو ، وزيد بن علي وقتادة بفتحها جمع «صُورَة »{[47740]} . وهذه ترد قول ابن عطية أن الصور هنا يتعين أن يكون القرن ، ولا يجوز أن يكون جمع صورة{[47741]} . وقرئ : فصعق- مبنياً للمفعول{[47742]}- وهو مأخوذ من قولهم : «صَعَقَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ ، يقال : صَعَقَهُ الله فَصُعِقَ{[47743]} .
قوله : { إِلاَّ مَن شَآءَ الله } ( استثناء ){[47744]} متصل ، والمستثنى إما جبريل وميكائيل وإسرافيل : وإما رِضْوَان والحور والزبانية ، وإما البارئ تعالى ، قاله الحسن{[47745]} ، وفيه نظر من حيث قوله { مَن فِي السماوات وَمَن فِي الأرض } فإنه لا يتحيز فعلى هذا يتعين أن يكون منقطعاً{[47746]} .
قوله : { ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أخرى } يجوز أن يكون «أخرى » هي القائمة مقام الفاعل وهي في الأصل صفة لمصدر محذوف أي نفخ فيه نفخة أخرى ويؤيده التصريح بذلك في قوله : { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصور نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ } [ الحاقة : 13 ] فصرح بإقامة المصدر ويجوزُ أن يكون القائم مقامه الجارّ{[47747]} ، و «أُخْرَى » منصوبة على ما{[47748]} تقدم .
قوله : { فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ } العامة على رفع «قيام » خبراً ، وزَيْدُ بْنُ عَلِيِّ نصبه{[47749]} حالاً ، وفيه حينئذ أوجه :
أحدها : أن الخبر«ينظرون » وهو العامل في هذه الحال أي فإذا هُمْ يَنْظُرُونَ قِيَاماً .
والثاني : أن العامل في الحال ما عمل في «إذا » الفجائية إذا كانت ظرفاً . فإن كانت مكانية- كما قال سيبويه -{[47750]} فالتقدير فبِالحَضْرة هُمْ قياماً ، وإن كان زمانية كقول الرّمَّانِي{[47751]} فتقديره : فَفِي ذلكَ الزمان هُمْ قياماً أي وجودهم ، وإنما احتيجَ إلى تقدير مضاف في هذا الوجه لأنه لا يخبر بالزمان{[47752]} عن الجُثث .
الثالث : أن الخبر محذوف هو العامل في الحال أي فإذا هم مبعوثُون أو مجموعون قياماً ، وإذا جعلنا الفجائية حرفاً كقول بعضهم{[47753]} فالعامل في الحال إما «ينظرون » ، وإمّا الخبر المقدر كما تقدم تحقيقهما .
فصل{[47754]}
لما ذكر كمال قدرته وعظمته بما سبق ذكره أردفه بذكر طريق آخر يدل أيضاً على كمال عظمته وهو شرح مقدمات يوم القيامة ، لأن نفخ الصور يكون قبل ذلك اليوم ، فقال : { وَنُفِخَ فِي الصور . . . . . . } الآية .
اختلفوا في الصعقة فقيل : إنها غير الموت لقوله تعالى في موسى - عليه ( الصلاة و ) السلام - : { وَخَرَّ موسى صَعِقاً } [ الأعراف : 143 ] وهو لم يمت فهذه النفخة تورث الفزغ الشديد وعلى هذا فالمراد من نفخ الصعقة ومن نفخ الفزع واحد وهو المذكور في سورة النمل في قوله تعالى : { وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصور فَفَزِعَ مَن فِي السماوات وَمَن فِي الأرض إِلاَّ مَن شَآءَ الله } [ النمل : 78 ] وعلى هذا القول فنفخ الصور ليس إلا مرتين . وقيل : الصعقة عبارة عن الموت ، والقائلون بهذا قالوا : المراد بالفزع أي كادوا يموتون من الفزع وشدة الصوت ، وعلى هذا التقدير فالنفخة تحصل ثلاث مرات أولها نفخة الفزع وهي المذكورة في سورة النمل ، والثانية نفخة الصعق ، والثالثة نفخة القيام وهما مذكورتان في هذه السورة ، وقوله : { إِلاَّ مَن شَآءَ الله } قال ابن عباس : نفخة الصعق يموت من في السموات ومن في الأرض إلا جبريل وميكائيل وإسرافيل : وَيبْقَى جبريل وملك الموت ، ثم يموت عزرائيل جبريل ثم يموت ملك الموت ، وقيل : المستثنى هم الشهداء لقوله تعالى : { بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } [ آل عمران : 169 ] ، وروى أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : «هُمُ الشَّهَدَاءُ مُتَقَلِّدُونَ أسْيَافَهُمْ حَوْلَ العَرْشِ »{[47755]} ، وقال جابر : هو موسى- صلى الله عليه وسلم - لأنه صُعِقَ ، ولا يصعق .
وقيل : هم الحور العين وسكان العرش والكرسي ، وقال قتادة : الله أعلم بهم وليس في القرآن والأخبار ما يدل على أنهم من هم .
ثم قال : { ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أخرى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ } وهذا يدل على أن هذه النفخة متأخرة عن النفخة الأولى لأن لفظة «ثم » للتراخي{[47756]} . وروى أبو هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْن أربعون » ، قالوا : أرْبَعون يَوْماً قال : أبَيْتُ قالوا : أربعون شهراً قال : أبيت قالوا أربعون سنةً ، قال : أبيت قال : ثم ينزل الله من السماء ماءً فتَنْبتُونَ كما ينبت البَقْلُ ليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلاّ عظمٌ واحد وهو عَجبُ الذَّنَب ، وفيه يركب الخلق يوم القيامة{[47757]} .
وقوله : { فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ } يعني أن قيامهم من القبور يحصل عقيب هذه النفخة الأخيرة في الحال من غير تراخ لأن الفاء في قوله : «فإذا هم » يدلّ على التعقيب ، وقوله «يَنْظُرون » أي يقلبون أبصارهم في الجهات نظر المبهوت إذا فاجأه خطب عظيم ، وقيل : ينظرون ماذا يفعل بهم ، ويجوز أن يكون القيام بمعنى الوقوف والجمود في مكان لأجل استيلاء الحَيْرة والدهشة عليهم{[47758]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.