قوله : { قُلْ أَفَغَيْرَ الله تأمروني أَعْبُدُ } فيه ثلاثة أوجه :
أظهرها : أن{[47661]} «غير » منصوب «بأعبد »{[47662]} و «أعبد » معمول «لتأمروني » على إضمار «أنْ » المصدرية ، فلما حذفت بطل عملها وهو أحد الوجهين والأصل أفَتَأمُرُونِي بأن أعْبُدَ غير الله ثم قدم مفعول «أعبد » على «تأمروني » العامل في عامله ، وقد ضعف بعضهم هذا بأنه يلزم منه تقديم معمول الصلة على الموصول ، وذلك أن «غير » منصوب «بأعبد » و «أعبد » صلة «لأن » وهذا لا يجوز{[47663]} .
وهذا الرد ليس بشيء لأن الموصول لما حذف لم يراع حكمه فيما ذكر بل إنما يراعى معناه لتصحيح الكلام{[47664]} .
قال أبو البقاء : لو حكمنا بذلك{[47665]} لأفضى إلى حذف الموصول وإبقاء صلته وذلك لا يجوز إلاَّ في ضرورة شعر{[47666]} .
وهذا الذي ذكر فيه نَظَرٌ من حيث إنَّ هذا مختصٌّ «بأَنْ » دون سائر الموصولات وهو أنها تحذف ويبقى صلتها وهو منقاس عند البصريين في مواضع{[47667]} تحذف ويبقى عملها وفي غيرها إذا حذفت لا يبقى عملها إلا في ضرورة أو قليل ، وينشد بالوجهين ( قوله ) :
4310- أَلاَ أَيُّهَذَا الزَّاجِري أَحْضُرُ الوَغَى . . . وأَنْ أَشْهَدَ اللذَّاتِ هَلْ أَنْتَ مُخْلِدِي{[47668]}
ويدل على إرادة «أن » في الأصل قراءة بعضهم : «أَعْبُدَ »{[47669]} بنصب الفعل اعتداداً بأن .
الثاني : أن «غَيْر » منصوب «بتَأْمُرُونيِّ » و «أَعْبُد » بدل منه بدل اشتمال ، و «أَنْ » مضمرة معه أيضاً .
والتقدير : أفغَيْر اللَّه تأمرونِّي في عبادته ، والمعنى : أفتأمروني بعبادة غير الله{[47670]} .
الثالث : أنها منصوبة بفعل مقدر ( تقديره ){[47671]} أفتُلْزِمُوني غير{[47672]} الله أي عبادة غير الله ، وقدره الزمخشري تعبدون ( ي ){[47673]} وتقولون لي أعبده{[47674]} ، والأصل : تأمُرُونَني أن أعبد ( فحذفت ) أن ، ورفع الفعل ، ألا ترى أنك تقول : أفغير الله تَقُولُون لي أعْبُدُهُ ، وأفغير الله تقولون لي أعبد ، فكذلك ، أفغير الله تقولون{[47675]} لي أن أعبُدَهُ ، وأفغير الله تَأمُرُونِّي أَنْ أَعْبُدَ{[47676]} .
والدليل على صحة هذا الوجه قراءة من قرأ «أَعْبُدَ » بالنصب ، وأما «أعبد » ففيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه مع «أن » المضمرة في محل نصب على البدل من «غير » ، وقد تقدم .
الثاني : أنه في محل نصب على الحال .
الثالث : أنه لا محل له ألبتة{[47677]} .
قوله : { تأمروني } قرأ الجمهور «تَأمُرونِّي » بإدغام نون الرفع في نون الوقاية ، وفتح الياءَ ابن كثير ، وأرسلها{[47678]} الباقون ، وقرأ نافع «تأمُرُونِيَ » بنون خفيفة وفتح الياء وابنُ عامر تأمرونَنِي بالفك وسكون الياء{[47679]} ، وقد تقدم في سورة الأنعام{[47680]} ، والحِجْر{[47681]} ، وغيرهما أنه متى اجتمع نون الرفع مع نون الوقاية جاز ذلك أوجه وتقدم تحقيق الخلاف في أيتهما المحذوفة{[47682]} .
قال مقاتل : وذلك حين قال له المشركون : دَعْ دينك واتبع دين آبائك ونؤمن بإلَهك ، ونظير هذه الآية : { قُلْ أَغَيْرَ الله أَتَّخِذُ وَلِيّاً } [ الأنعام : 14 ] ، وتقدم في تلك الآية وجه الحكمة في تقدم المفعول ووصفهم بالجهل لأنه تقدم وصف الإله بكونه خالقاً للأشياء كلها وبكونه له مقاليد السموات والأرض وكون هذه الأصنام جمادات لا تَضُرُّ ولا تنفع فمن أعْرَض عن عبادة الإله الموصوف بتلك الصفات المقدسة الشريفة واشتغل بعبادة الأصنام الخَسيسَة فقد بلغ في الجهل مبلغاً لا مزيد عليه ، فلهذا قال : { أَيُّهَا الجاهلون }{[47683]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.