الأول : لن{[9997]} تَقْدِرُوا في التَّسْوِية بَيْنَهُنَّ في مَيْل الطِّبَاع ، من الحُبِّ ومَيْل القلب ، وإذا لم تَقْدِرُوا{[9998]} عليه ، لَمْ تكُونوا مكَلَّفين به .
قالت المُعْتَزِلَة{[9999]} : هذا يدلُّ على أن تَكْلِيفَ ما لا يُطَاق ، غيْر وَاقِع ولا جائز الوُقُوع ، وقد تَقَدَّم إلزامهم{[10000]} في العِلْمِ والدَّاعِي ، وقد يُجَاب أيْضاً : بأنه - تعالى - إنما نَفَى الاسْتِطَاعة الَّتي هي من جِهَة المكَلَّفِ{[10001]} ، ولَمْ يَنْفِ التَّكْلِيف الَّذِي{[10002]} هو من جهة الشَّارع ، فالآيَة لا تَدُلُّ على نَفْيِ التَّكْلِيفِ ، وإنما تَدُلُّ على نفي اسْتِطَاعة المكَلَّف{[10003]} .
الثاني : لا يستطيعون التَّسْوِيَةَ بينهن في الأقْوَال والأفْعَال ؛ لأن التَّفَاوُت في الحُبِّ ، يوجِبُ التَّفَاوُت في نتائِجِ الحُبِّ ؛ لأن الفِعل بدون الدَّاعِي ، [ و ]{[10004]} مع قيام الصَّارف مُحَالٌ .
ثم قال : " فَلاَ تَمِيلُواْ " أي : إلى التي تُحِبُّونها ، " كُلَّ المَيْل " في القِسْمة ، واللَّفْظ والمَعْنَى : أنكم لَسْتُم تَحْتَرِزُون عن حُصُول التَّفَاوُت في المَيْل القَلْبِي ؛ لأن ذَلِك خَارِجٌ عن وُسْعكُم ، ولكنكم مَنْهِيُّون عن إظْهَار ذلك [ التفاوت ]{[10005]} في القَوْل والفِعْل .
" روي عن رسُول الله صلى الله عليه وسلم : [ أنه ]{[10006]} كان يَقْسِم ، ويقول : " هذا قَسَمِي فيما أمْلِكُ ، وأنْت أعْلَم بما لا أمْلِكُ " " {[10007]} .
قوله : " كُلَّ المَيْلِ " : نصبٌ على المَصْدرية ، وقد تقرر أن " كل " بحسَبِ ما تُضَاف إليه ، إنْ أضيفَت إلى مَصْدرٍ - كانت مَصْدَراً - أو ظرفٍ ، أو غَيْرِه ؛ فكذلك .
قوله : " فَتَذَرُوهَا " فيه وجهان :
أحدهما : أنه مَنْصُوب بإضْمَارِ " أنْ " في جَوابِ النَّهْي .
والثاني : أنه مَجْزُوم عَطْفاً على الفِعْل قبله ، أي : فلا تَذرُوها ، ففي الأوَّل نَهْيٌ عن الجمع بينهما ، وفي الثاني نهيٌ عن كلٍّ على حِدَتِه وهو أبلغُ ، والضَّميرُ في " تَذَرُوها " يعود على المُميلِ عنها ؛ لدلالة السِّياق عليها .
قوله : " كالمُعلَّقة " : حال من " ها " في " تَذَروها " فيتعلَّق بمَحْذُوف ، أي : فتذُروها مُشْبهةً المُعَلَّقة ، ويجُوز عندي : أن يَكُون مفعولاً ثانياً ؛ لأن قولك : " تَذَر " بمعنى : تَتْرك ، و " تَرَك " يتعدَّى لاثْنَيْن إذا كان بِمَعْنَى : صيَّر .
والمعنى : لا تَتَّبِعُوا هَوَاكُم ، فَتَدَعُوا الأخْرى كالمُعَلَّقَة{[10008]} لا أيِّماً ، ولا ذَات بَعْل ؛ كما أن الشَّيء المُعَلَّق لا [ يَكُون ]{[10009]} على الأرْضِ ، ولا على السَّماءِ ، وفي قِرَاءة{[10010]} أبَيِّ : " فَتَذَرُوها كالمَسْجُونَة " ، وفي الحَدِيث : " من كَانَت له امْرأتَانِ يميلُ مع إحْدَاهُمَا ، جاء يَوْم القِيَامة وأحدُ شِقَّيْه مَائِلٌ " {[10011]} .
قوله : " وإن تُصْلِحُوا " بالعدل في القَسْم ، و " تَتَّقُوا " : الجور { فإن الله كَانَ غَفُوراً رَحِيماً } لما حَصَل في القَلْبِ من المَيْلِ إلى بَعْضِهِنَّ دون بَعْضٍ .
وقيل المعنى : وإن تُصْلحوا ما مَضَى من مَيْلِكُم ، وتَتَدَارَكُوه بالتَّوْبَة ، وتَتَّقُوا{[10012]} في المُسْتَقْبَل عن مِثْلِه ، غفر اللَّه لكم ذَلِكَ ، وهذا أوْلَى ؛ لأن التَّفَاوُت في المَيْل القَلْبي ليس في الوُسْع ، فلا يحتاج إلى المَغْفِرَة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.